مسألة : قال الشافعي : " ومتى رجع ترك ، وقع به بعض الحد أو لم يقع " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ، قبل رجوعه وسقط الحد عنه . وبه قال رجع المقر بالزنا عن إقراره أبو حنيفة وأكثر الفقهاء ، سواء وقع به بعض الحد أو لم يقع .
وقال الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، ومالك في إحدى الروايتين عنه ، وداود بن علي : لا يقبل رجوعه ولا يسقط عنه الحد ، سواء وقع به الحد أو لم يقع .
وقال بعض العراقيين : يقبل رجوعه قبل الشروع في حده ، ولا يقبل بعد الشروع فيه ، استدلالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : فدل على أن لا تأثير للرجوع بعد إبداء الصفحة . من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه
قالوا : ولأنه حق ثبت بإقراره ، فوجب أن لا يسقط برجوعه قياسا على حقوق الآدميين .
ودليلنا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ورجوعه شبهة : لاحتمال صدقه . ولأن ادرءوا الحدود بالشبهات ماعزا لما هرب من حر الأحجار وتبعوه حتى قتلوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . فلو لم يكن لرجوعه تأثير لم يندب إلى تركه بعد الأمر برجمه . هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه
وروي أن رجلا أقر عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزنا ثم رجع عنه ، فتركه وقال : لأن أترك حدا بالشبهة أولى من أن أقيم حدا بالشبهة . ووافق أبا بكر رضي الله عنه على مثل هذا ، وليس لهما في الصحابة مخالف ، فكان إجماعا . ولأنه حد لله تعالى ثبت بقوله ، فجاز أن يسقط برجوعه كالردة ، ولأن ما ثبت من حدود الله تعالى بالقول يجب أن يسقط بالقول قياسا على رجوع الشهود . [ ص: 211 ] فأما الجواب عن الخبر في " إبداء الصفحة " : فالراجع غير مبد لصفحته ، وإنما يكون مبدئا إذا قام على إقراره .
وأما الجواب عن قياسهم على حقوق الآدميين : فمن وجهين : هما فرق يمنع من صحة الجمع :
أحدهما : أن . حقوق الله تعالى تدرأ بالشبهات وحقوق الآدميين لا تدرأ بها
والثاني : هو أن عليه في حقوق الآدميين أن يقر بها ، وكذلك لم يقبل رجوعه فيها ، ولا يجب عليه في حقوق الله تعالى إلا التوبة منها ، وهو مندوب إلى أن لا يقر بها ، فلذلك قبل رجوعه فيها .
وروى محمد بن المنكدر ، عن ابن هزال ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : هزال ، لو سترته بثوبك كان خيرا لك . ويحك يا