مسألة : قال الشافعي : " ، يقولون : رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة . ( قال ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة المزني ) رحمه الله : قلت : أنا ولم يجعل في كتاب الشهادات إتيان البهيمة زنا ، ولا في كتاب الطهارة في مس فرج البهيمة وضوءا " .
قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على أربعة فصول :
أحدها : في الزنا .
والثاني : في اللواط .
والثالث : في إتيان البهائم .
والرابع : في الشهادة على ذلك .
فأما الفصل الأول وهو : فهو أن يطأ الرجل المرأة بغير عقد ولا شبهة عقد ، ولا بملك ، ولا شبهة ملك ، ولا شبهة فعل عالما بالتحريم ، فيجتمع في وطئه هذه الشروط الستة . فأما العقد : فهو ما صح من المناكح . الزنا
وأما شبهة العقد : فهو ما احتمله الاجتهاد من العقود الفاسدة ، كنكاح المتعة ، والشغار ، والنكاح بغير ولي ولا شهود ، فهذا وما جانسه من شبهة العقود المانع من حد الزنا ، والموجب للحوق الولد .
وأما كالأمهات ، والأخوات ، والخالات ، والعمات من نسب أو رضاع ، فلا يكون من شبهة العقود ، ويكون الواطئ فيه زانيا يجب عليه الحد ، وكذلك لو العقد على ذوات المحارم ، كان من هذه الأحوال كلها زانيا ، وبه قال نكح معتدة أو مطلقة منه ثلاثا قبل زوج ووطء فيه أبو يوسف ومحمد .
وقال أبو حنيفة : اسم العقد يمنع من وجوب الحد ، وإذا وطء أمه ، أو أخته ، أو معتدة بعقد نكاح ، لم يجب الحد على واحد منهما . حتى قال أبو حنيفة : لو ، فلا حد على واحد منهما استدلالا بأنه وطء عن عقد فاسد ، فوجب أن يسقط فيه الحد قياسا على سائر المناكح الفاسدة . استأجر امرأة [ ص: 218 ] ليزني بها أو يستخدمها فوطئها
قال : ولأنه وطء لا يحد به الكافر ، فوجب أن لا يحد به المسلم كالنكاح بغير ولي .
قال : ولأن ما لم ينطلق عليه اسم الزنا لم يجر عليه حكم الزنا : لأن الحكم تابع للاسم . واستدل بأن اسم الزنا غير منطلق عليه : أن المجوس ينكحون أمهاتهم وأخواتهم ، ولا يجري عليهم اسم الزنا ولا حكمه .
ودليلنا : قول الله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة [ النساء : 22 ] ، والفاحشة في عرف الشرع هي الزنا لقوله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم [ النساء : 15 ] .
وروى داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهذا محمول على مواقعتها بالنكاح : لأن غير النكاح يستوي فيه ذات المحارم وغيرها . من وقع على ذات محرم فاقتلوه
وروى أشعث ، عن عدي بن ثابت ، البراء بن عازب ، قال : مر بي خالي أبو بردة بن دينار ومعه لواء ، فقلت أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه . عن
وروي البراء بن عازب قال : بينما أنا أطوف على إبل لي ضلت ، إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء ، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه ، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه . [ ص: 219 ] ولم يكن هذا منهم إلا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتمل أن يكون هذان الخبران في رجلين ، وهو الأظهر : لاختلاف الحالين . عن
واحتمل أن يكون في رجل واحد ، روي على لفظتين مختلفتين ، وحالتين متقاربتين ، وأيهما كان فهو دليل .
ومن القياس : أنه وطء محرم بدواعيه غير مختلف فيه ، فوجب أن يكون مع العلم بتحريمه موجبا للحد ، إذا لم يصادف ملكا قياسا عليه إذا تجرد عن عقد .
فإن قيل : العقد شبهة .
قيل : الشبهة ما اشتبه حكمه بالاختلاف في إباحته كنكاح المتعة ، وهذا غير مشتبه للنص على تحريمه ، فلم يكن شبهة .
وقولنا : يحرم بدواعيه ، احترازا من وطء المحرمة والصائمة الحائض .
وقولنا : غير مختلف فيه ، احترازا من المناكح المختلف فيها .
وقولنا : إذا لم يصادف ملكا ، احترازا من الأمة المشتركة بين اثنين . ولأنه عقد على من لا يستباح بحال ، فوجب أن يكون وجوده كعدمه ، كالعقد على الغلام ، ولأن هذا العقد لا تأثير له : لوجود التحريم بعده كوجوده قبله .
وأما قياسهم على المناكح الفاسدة فالمعنى فيه : ما ذكرنا من اختلاف الناس فيه . وقياسهم على الكافرين فالمعنى فيه : أنهم يرونه مباحا في دينهم . واستدلالهم بأنه لا ينطلق عليه اسم الزنا فغير صحيح : لأن اسم الزنا لا ينطلق عليه في المجوس : لاعتقادهم إباحته ، وينطلق عليه من المسلمين للنص والإجماع على تحريمه ، فهذا حكم العقد وشبهته ، وهما شرطان من الستة .