فصل :
ويقطع فيما كالصيد المأكول وغير المأكول ، والخشب من الساج وغير الساج معمولا كان أو غير معمول ، وما أخذ من المعادن مطبوع وغير مطبوع ، وما عمل من الطين كالفخار ، وما عمل من الحجر كالبرام . كان مباح الأصل قبل أن يملكه
وقال أبو حنيفة : لا يقطع فيما كان مباح الأصل من صيد البر والبحر ، ولا في جميع الطير ، ولا في الخشب إلا في الساج والعود ، إلا أن يكون معمولا أبوابا أو أبنية ، ولا في المعمول من الطين والحجر ، ولا في المأخوذ من المعادن كلها ، إلا الفضة والذهب والياقوت والفيروزج ، ولا في الحشائش كلها إلا في الصندلة ، فإن عمل من الحشيش حصرا كالأسل والسامان قطع ، وإن عمل من القصب بوار لم يقطع : لأن الزيادة في عمل السامان كثيرة ، وفي عمل البواري قليلة ، واحتج فيه برواية يوسف بن روح ، عن الزهري ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : لا قطع في الطير . وهم عمر بن عبد العزيز بقطع رجل سرق دجاجة ، فقال له أبو سلمة : سمعت عثمان يقول : لا قطع في الطير . فتركه عمر ولم يقطعه . وليس فيه مخالف فكان إجماعا فجعله أصلا لجميع الصيد ، ثم احتج بعموم مذهبه بثلاثة معان :
أحدهما : أنه مباح الأصل في دار الإسلام فيسقط فيه القطع كالماء والتراب .
والثاني : أنه تافه الجنس للقدرة عليه متى أريد فسقط فيه القطع كالسرجين .
والثالث : أنه لما وجب القطع في مقدار من المال ولم يعم كل مقدار ، اقتضى أن يجب في جنس من المال ولا يعم جميع الأجناس .
ودليلنا : مع عموم الظواهر من الكتاب والسنة أنه جنس مال متمول فوجب القطع بسرقته ، كسائر الأجناس ، ولأن ما وجب القطع في معموله وجب في أصله كالذهب والفضة ، ولأن المتعلق بالأموال المأخوذة بغير حق حكمان : ضمان وقطع ، فلما كان الضمان عاما في جميع الأموال وجب أن يكون القطع عاما في جميع الأموال .
ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه حكم يتعلق بالمال الذي أصله غير مباح ، فوجب أن يتعلق بالمال الذي أصله مباح كالضمان .
والثاني : أنه مال يتعلق به الضمان فوجب أن يتعلق به القطع كالذي أصله غير مباح ، ولأن القطع في السرقة موضوع للزجر عنها وحفظ الأموال على أهلها ، فاقتضى أن [ ص: 277 ] يكون عاما فيها : لعموم معناها ، ولأن الاعتبار بالقطع حظر المال في حال السرقة دون ما تقدمه من الإباحة أو تعقبه من الملك . ألا ترى أن الطعام مباح للمضطر ويقطع فيه بعد زوال الضرورة . ومن وهب له مال فرده قطع في سرقته بعد تقدم إباحته . كذلك ما كان على أصل الإباحة قبل السرقة ثم صار محظورا عند السرقة ، وفيه انفصال عن تعليلهم بأصل الإباحة .
فأما الجواب عن خبر عثمان : فراويه الزهري ولم يلقه فكان مرسلا .
وخبر عمر بن عبد العزيز : رواه جابر الجعفي وكان مطعونا في دينه : لأنه يقول بالرجعة .
وكان أبو حنيفة يطعن فيه ولا يعمل على حديثه ، ثم يحمل إن صح على ما كان مرسلا من طير أنه غير محرز . وأما قياسهم على الماء والتراب تعليلا بإباحة أصله فمنتقض بالفضة والذهب ، واختلف أصحابنا في على وجهين : أحدهما : يقطع في سرقته إذا كان محرزا بلغت قيمته نصابا ، فعلى هذا بطل الأصل . والوجه الثاني : لا قطع فيه ، لأن النفوس لا تتبع سرقته إلا في حال نادرة عند ضرورة تخالف حال الاختيار فلم يسلم الأصل . واحتجاجه بأنه تافه دعوى غير مسلمة . القطع في الماء
واحتجاجه بأن اختصاصه بمقدار يوجب اختصاصه بجنس منتقض على أصله بالمهر يختص عنده بمقدار ولا يختص بجنس . ثم المعنى في اعتبار المقدار : أنه قدر تتبعه النفوس ولم يعتبر الجنس : لأن جميع الأجناس تتبعها النفوس والله أعلم .