مسألة : قال الشافعي : " ولا يقطع إلا من بلغ الاحتلام من الرجال والحيض من النساء ، أو أيهما استكمل خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم أو لم تحض " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، . لا يجب القطع إلا على مكلف بالبلوغ والعقل
[ ص: 279 ] فإن كان صغيرا ، أو مجنونا لم يقطع في الحال ، ولا إذا بلغ وأفاق في ثاني حال : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وروى رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجارية قد سرقت ، فوجدها لم تحض فلم يقطعها .
ولأنه حد فأشبه سائر الحدود .
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه شق بطون أصابع صبي سرق . وهذا إن صح عنه فلم يفعله حدا ، وإنما ضربه على كفه تأديبا فانشقت بطون أصابعه لرقها . فقد روي عنه أنه أتي بصبي سرق فقال : اشبروه . فكان دون خمسة أشبار ، فلم يقطعه .
وأتي عمر رضي الله عنه بسارق ، فقال : اشبروه . فكان ستة أشبار إلا أنملة ، فلم يقطعه ، وسمي أنملة . وليس هذا معتبر في البلوغ ، ويجوز أن يكون فعله استظهارا ، والبلوغ يكون بما قدمناه في مواضع من كتابنا من احتلام الغلام ، وحيض الجارية ، فإن استكملا قبل الاحتلام والحيض خمس عشرة سنة كانا بالغين .
فأما إنبات الشعر في العانة فيحكم به في بلوغ المشركين : لأنه صلى الله عليه وسلم سعد في سبي بني قريظة بأن من جرت عليه المواس قتل ، ومن لم تجر عليه استرق . وهل يكون ذلك بلوغا فيهم أو دلالة على بلوغهم ؟ على قولين : أمضى حكم
أحدهما : - قاله في سير الواقدي - يكون بلوغا فيهم ، فعلى هذا يكون بلوغا في المسلمين .
والقول الثاني : - قاله في الجديد - أنه يكون دلالة على بلوغهم ، فعلى هذا يكون دلالة على بلوغ المسلمين أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون دلالة على بلوغهم .
والوجه الثاني : - قاله في الإقرار - لا يكون دلالة على بلوغهم ، للفرق بين المسلمين والمشركين من وجهين : [ ص: 280 ] أحدهما : أن الرجل المسلم يقبل قوله في سنه ، فلم يحتج إلى الاستدلال بغيره . وأهل الشرك لا يقبل قولهم في سنهم ، فاحتجنا إلى الاستدلال بالإنبات على بلوغه .
والثاني : أن المسلم تخف أحكامه بالبلوغ ، فاتهم في معالجة الإنبات ، والمشرك تتغلظ أحكامه بالبلوغ فلم يتهم في معالجة الإنبات .