فصل :
وأما القسم الثاني : وهو من اليسار والإعسار ، فأما مساكن ذوي الإعسار فأخف أحرازا : لأن متاع بيوتهم زهيد لا يرغب فيه ، فإن كانت أبنيتهم قصيرة وأبوابهم خفيفة وأغلاقهم سهلة ، كانت حرزا لأمثالهم ، فإن سكنها أهل اليسار لم تكن حرزا لهم : لأن مساكن ذوي اليسار محكمة الأبنية ، عالية الجدران وثيقة الأبواب ، صعبة الأغلاق ، فإن كانت جدرانها قصارا وهي مسقفة بسقف وثيقة كانت حرزا لأمثالهم من أهل اليسار ، وإن لم تكن مسقفة ، لم تكن حرزا لذوي اليسار : لأنه يمكن الصعود إليها إذا قصرت ولا يمكن الصعود إليها إذا علت ، فإذا سكن أهل اليسار في مساكن أمثالهم فلهم حالتان : ليل ، ونهار : المساكن المستوطنة فتختلف في أحرازها بحسب اختلاف سكانها
فأما النهار : فيجوز أن يكون أبوابهم مفتوحة إذا كانوا - أو واحد منهم - يرى الداخل إليها والخارج منها ، وإن لم يروه لم يكن حرزا إلا بغلق الباب . وإغلاقه في النهار أخف من إغلاقه في الليل ، فلا تكون في الليل حرزا إلا بعد غلق أبوابها وإحكام إغلاقها ، ثم لأمتعة بيوتهم حالتان :
إحداهما : ما كان جافيا للبذلة كالبسط والأواني ، فصحون مساكنهم حرز لها .
والثاني : ما كان من ذخائرهم ونفيس أموالهم ، فالبيوت المغلقة في المساكن حرز لها ، ولا يكون تركها في صحون المساكن حرزا لمثلها : لأنها تحفظ من أهل المسكن وغير أهل المسكن . فإن سرقها غريب منهم وخارج عنهم قطع ، وإن سرقها أحدهم لم [ ص: 289 ] يقطع : لما ترك في صحون المساكن التي يدخل إليها ويخرج منها ، وقطع بما في البيوت المقفلة منه . فلو كان في جدار الدار فتحة طويلة ، وكانت عالية لا تنال ، فالحرز بحاله . وإن كانت قصيرة ، نظر : فإن كانت ضيقة لا يمكن ولوجها إلا بهدم بنيان لم تمنع من الحرز ، وإن كانت واسعة يمكن ولوجها منعت من الحرز ، وصارت كالباب المفتوح . فإن كان عليها باب كباب الدار في الوثاقة جرى مجراه ، وجاز فتحه نهارا وغلقه ليلا . وإن كان عليها شباك فإن كان ضعيفا لا يرد فليس بحرز ، وإن كان قويا من حديد أو خشب وثيق كان حرزا ، فهذا حكم المساكن .