مسألة : قال الشافعي : " ولو وهبت له لم أدرأ بذلك عنه الحد " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ، إما بهبة أو ابتياع أو ميراث ، لم يسقط عنه القطع : استدلالا بأنه لما منع ملكه للسرقة عند إخراجها من وجوب القطع ، وجب أن يمنع حدوث ملكه بعد إخراجها من استيفاء القطع : لئلا يصير مقطوعا بملكه ، ولا يجوز أن يقطع أحد في ملكه ، ولأن ما طرأ عند استيفاء القطع بمثابة وجوده عند وجوب القطع كالجحود ، وفسق الشهود ، ولأن مطالبته الخصم شرط في وجوب القطع ، وقد زالت مطالبته بزوال ملكه فسقط شرط الوجوب . ملك السارق السرقة بعد إخراجها من حرزها ووجوب القطع فيها
ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة ما رواه الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن صفوان بن عبد الله ، صفوان بن أمية قيل له : إنه من لم يهاجر هلك ، فقدم صفوان المدينة ، فنام في المسجد وتوسد رداءه ، فجاء سارق فأخذ رداءه ، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر به أن تقطع يده ، فقال صفوان : يا رسول الله إني لم أرد هذا ، هو عليه صدقة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهلا قبل أن تأتيني به فلم يسقط القطع عنه مع الصدقة بها عليه ، فدل على أن ملك المسروق لا يمنع من وجوب القطع . فإن قيل : إنما قطعه لأن الصدقة لم تتم إلا بالقبض بعد القبول . أن
قيل : لو كان لهذا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما قال : " " . هلا قبل أن تأتيني به
فإن قيل : فهذا يدل على أنه لو ملكها قبل أن يأتيه به سقط عنه القطع ، ولا تقولون به ، فصار دليلا عليكم .
قيل : معناه هلا سترت عليه قبل أن تأتيني به ولم تخبرني به ، فإن ما لم يعلم به لم يجب عليه استيفاؤه .
وقد روى ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعافوا عن الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب .
ومن القياس : أن ما حدث في المسروق بعد وجوب القطع فيه لم يمنع من استيفائه لنقصه أو تلفه ، ولأن الهبة توجب سقوط المطالبة بالمسروق ، فوجب أن لا يمنع من استيفاء ما وجب فيه من القطع ، قياسا على رده والإبراء منه ، ولأنه قطع وجب [ ص: 303 ] بالسرقة فلم يسقط بالهبة ، كالسرقة في الحرابة . ولأنه ملك حدث بعد وجوب الحد ، فوجب أن لا يسقط به الحد ، قياسا على ما لو زنا بأمة ثم ابتاعها ، أو بحرة ثم تزوجها .
فأما الجواب عن قياسه عليه ولو ملكها قبل إخراجها : فهو أنه ملكها قبل وجوب القطع ، فصار كما لو ملك الأمة قبل وجوب الحد .
وأما الجواب عن جمعه بين ما طرأ وتقدم : فهو انتقاضه بخراب الحرز . ثم الفرق بينهما ما قدمناه . وأما الجواب عن سقوط المطالبة : فهو أن أصحابنا قد اختلفوا فيها على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أنها ليست بشرط في القطع . فيسقط معه الاستدلال .
والوجه الثاني : وهو قول الأكثرين : أنها شرط في استيفاء القطع . فعلى هذا : يسقط بها استيفاؤه مع وجوبه ، كالحقوق التي ليس لها مطالب بها .