مسألة : قال الشافعي : " وإن ، قطع " . سرق مصحفا أو سيفا أو شيئا مما يحل ثمنه
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا . . . . . . . . وجميع الكتب قطع فيها إذا بلغت قيمتها نصابا . سرق مصحف القرآن أو كتب الفقه أو الشعر والنحو
وقال أبو حنيفة : لا قطع في المصحف ، ولا في جميع الكتب المكتوبة أو غير المكتوبة في العلوم الدينية وغير الدينية ، وإن كانت محلاة بفضة أو ذهب إلا أن يكون ورقا بياضا لا كتابة فيه ، أو جلدا مفردا على غير كتاب ، فيقطع فيه استدلالا بثلاثة أشياء : [ ص: 305 ] أحدها : أن المقصود من الكتب قراءة ما فيها ، والورق والجلد تبع للمقصود ، وليس ما فيها من المكتوب مالا ، فسقط القطع فيه وفي تبعه من الورق والجلد ، وإن كان مالا : لأن التبع ملحق بالمتبوع .
والثاني : وهو خاص في المصحف : ليكون غيره من الكتب ملحقا به : أن المصحف مشترك يختص به صاحبه لما عليه من إعارته لمن التمس أن يقرأ فيه وأن يتعلم منه القرآن : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وهو من أقوى الشبه في سقوط القطع فيه ، كمال بيت المال . تعلموا القرآن وعلموه الناس
والثالث : أن بيعه مختلف فيه : لأن ابن عمر يكره بيع المصاحف ، وكذلك شريح القاضي ، وما اختلف في بيعه لم يقطع في سرقته ، كالكلب [ والخمر ] ، والخنزير مع الذمي .
ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة أنه نوع مال فجاز القطع فيه كسائر الأموال . فإن منعوا أن يكون مالا احتج عليهم بجواز بيعه وإباحة ثمنه ، وضمانه باليد ، وغرم قيمته بالإتلاف ، واختصاصه بسوق يباع فيها ، كما يختص كل نوع من الأموال بسوق ، ولأنه لما قطع في ورق المصحف إذا لم يكن مكتوبا ، كان القطع فيه بعد كتابته أولى : لأن ثمنه أزيد والرغبة فيه أكثر ، فلا يجوز أن يقطع فيه قبل الزيادة ، ويسقط القطع مع الزيادة ، وهذا ألزم لأبي حنيفة : لأنه لا يقطع في الخشب والعاج قبل العمل فيه ، ويقطع فيه بعد عمله وإحداث صنعة فيه ، ولأن القطع يجب في الأموال المرغوب فيها : ليزجر عن سرقتها فتحفظ على مالكها ، وقد تكون الرغبة في المصاحف والكتب أكثر ، فكانت بوجوب القطع أحق . فأما قوله : إن المقصود منها القراءة التي لا قطع فيها . فالجواب عنه : أن القراءة هي المنفعة كما أن منفعة الثياب لباسها ، ومنفعة الدواب ركوبها ، والقطع يجب في الأعيان دون المنافع . وأما قوله : إنه مشترك تلزم إعارته ، فدعوى غير مسلمة : لأنه ملك خاص لا تلزم إعارته ولا تعليم القرآن منه إلا قدر ما يلزم الصلاة من الفاتحة عندنا ، وآية من جميع القرآن عندهم ، لا يتعين الفرض فيها على أحد بعينه ، ولا من مصحف بعينه : لأن الفرض متعين على المتعلم وليس بمتعين على [ ص: 306 ] المعلم ، ولو تعين لكان تلقينه من لفظ القارئ كافيا ، وعن المصحف مغنيا ، وخالف مال بيت المال المشترك بين كافة المسلمين المعد لمصالحهم ، والخير محمول على الاستحباب والندب .
وأما الاختلاف في جواز بيعه : فلا يمنع من وجوب القطع فيه عند من يرى جواز بيعه ، كجلود الميتة إذا دبغت ، وكالعاج عندهم إذا حدثت فيه صنعة .