فصل :
إذا قطع ، وكذلك ثالثة ورابعة ، سواء كان من مال واحد أو جماعة . قطع في سرقة مال ، ثم سرقه ثانية
وقال أبو حنيفة : إذا قطع في مال لم يقطع فيه ثانية ، إلا أن يتغير عن حاله ، كالغزل إذا نسج ، والطعام إذا طحن ، احتجاجا بأن القطع يتعلق بعين وفعل ، فلما كان الفعل الواحد في عينين يوجب قطعا واحدا ، وجب أن يكون الفعلان في عين واحدة يوجب قطعا واحدا ، ولأن قطع السرقة في حراسة الأموال مقابل لحد القذف في صيانة الأعراض ، ثم لما لم يتكرر حد القذف في الرجل الواحد وجب أن لا يتكرر قطع السرقة في المال الواحد .
وتحريره : أنه حد يقف استيفاؤه على مطالبة آدمي ، فوجب أن لا يتكرر في الشخص الواحد كالقذف .
ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة : هو أنه فعل يوجب الحد فوجب أن يكون تكرره في العين الواحدة كتكرره في الأعيان المختلفة ، كالزنا يحد إذا تكرر في الواحد كما يحد إذا تكرر في الجماعة .
فإن قيل : محل الحد في الزنا موجود ، فجاز أن يتكرر ، ومحل القطع مفقود ، فلم يتكرر .
قيل : هذا تعليل يبطل في الزنا بحد القذف : لأن محله موجود ولا يتكرر ، ويبطل في السرقة بالقطع في الغزل إذا نسج ، فإن محله مفقود وقطعه يتكرر . [ ص: 331 ] ثم يقال : محل القطع في الثانية باق : لأن الأطراف الأربعة محل له ، فلم يسلم التعليل بما قدمناه ، ولا وضح الفرق بما بيناه .
ولأن كل عين إذا سرقها غير سارقها قطع ، فوجب إذا سرقها أن يقطع ، كالغزل إذا نسج .
فإن قيل : لأن الثوب المنسوج لا يسمى غزلا ، فجاز أن يقطع فيه ثانيا . انتقض على أصله بالجدي إذا قطع فيه ثم سرقه ، وقد صار تيسا ، لم يقطع عنده ، وإن لم يسم جديا .
فأما الجواب عن استدلاله بأن الفعل كالعين مع انتقاضه بالغزل إذا نسج : فهو أن الفعل الواحد في العينين سرقة واحدة ، فلذلك قطع فيها قطعا واحدا ، والفعلان في العين الواحدة سرقتان ، فلذلك قطع فيها قطعان ، ويدل عليها الأيمان .
وأما الجواب عن قياسه على القذف مع انتقاضه بالغزل إذا نسج : فهو أن حده في القذف قد أثبت كذبه ، فلم يحد في الثاني مع ثبوت كذبه . كما لو قال لصغيرين لا يجامع مثلهما : قد زنيتما . لم يحد لهما ، وليس كذلك قطع السرقة : لأنه موضوع لصيانة المال وحراسته ، فكان معنى القطع في الأول موجودا في السرقة الثانية ، فقطع فيها ثانية ، والله أعلم .