فصل :
فإذا تقررت هذه الجملة في حظر التطلع ورمي المتطلع ، فالحظر عام والرمي خاص ، فيحرم التطلع على المناسبين من الآباء والأبناء ، كما يحرم على الأجانب : لأنه ربما كان مكشوف العورة ، أو كان مع حرمته على حلاله ، فلا يحل لذي بصر أن يراه . وأما الرمي فخاص يختلف باختلاف حال المتطلع ، ولا يخلو حاله من ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يكون ، فلا يجوز له رميهم ، ولا فقؤهم : لأنه نوع حد فسقط عنه كالقذف . فإن رماهم وفقأهم ضمن ، وهل يكون ذلك شبهة في سقوط القود أم لا ؟ معتبرا بحاله فإن كان عند التطلع عليه مستور العورة فلا شبهة له ، وعليه القود ، وإن كان مكشوف العورة ، فهي شبهة له في سقوط القود عنه ، ويضمن الدية . من والديه الذين لا يثبت له عليهم قصاص في جناية ، ولا حد في قذف
والقسم الثاني : أن يكون ، كبني الأعمام ، وبني الأخوال ، فهم في حظر التطلع كالأجانب في إباحة رميهم وفقء أعينهم : لاشتراكهم في تحريم النظر . ولا فرق بين أن يكون المتطلع رجلا أو امرأة ، ولا فرق بين أن يكون في الدار رجل أو امرأة في تحريم التطلع ورمي المتطلع . وإن كان تطلع الرجل على الرجل وتطلع المرأة على المرأة ، أخف حظرا من تطلع الرجل على المرأة ، وتطلع المرأة على الرجل . ولكن لو كان [ ص: 463 ] التطلع على دار لا ساكن فيها ، لم يجز أن يرمى المتطلع سواء كان فيها متاع ، أو لم يكن : لارتفاع العورة . فإن رمي المتطلع ضمنه راميه . وهكذا المتطلع أجنبيا أو من مناسبيه وذوي رحمه الذين ليسوا من ذوي محارمه ، فإن رمي ضمنه الرامي . الأعمى لا يجوز أن يرمى إذا تطلع على المنازل المسكونة : لأنه لا ينهتك بتطلعه عورة
والقسم الثالث : أن يكون ، كالأبناء والبنات ، والإخوة والأخوات ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، ففي جواز رميهم وفقء أعينهم وجهان : المتطلع من ذوي المحارم الذين يجري بينهم القصاص في الجناية ، والحد في القذف
أحدهما : وهو الظاهر من قول أبي حامد الإسفراييني له رميهم كالأجانب : لجريان القصاص والحدود بينهم .
روى صفوان ، عن عطاء بن يسار ، . أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم . قال : إني أخدمها . قال : استأذن عليها . فعاوده ثلاثا ، فقال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا . قال فاستأذن عليها
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ليس له رميهم ، ويضمن إن رماهم كالآباء : لقول الله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن [ النور : 31 ] الآية فشرك بين جميعهم في إباحة النظر إلى الزينة الباطنة : لأن الزينة الظاهرة لا تحرم على الأجانب ، فسوى بين الزوج وبين ذوي المحارم فيها ، وإن خالفهم في التلذذ بها دونهم .