فصل : ثم لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خروجه من الشعب على حاله التي كان عليها ، لا يصل إليه مكروه ، حتى أبو طالب ، وماتت في عام واحد خديجة ، وذلك قبل هجرته إلى مات عمه المدينة بثلاث سنين ، فناله الأذى بعد ذلك ، حتى نثر بعض سفهاء قريش التراب على رأسه ، فدخل بيته ، فرأت إحدى بناته التراب على رأسه ، فبكت فقال : لا تبكي فإن الله يمنع أباك .
وخرج الطائف ليمتنع ، ويستنصر إلى ثقيفا ، فلما انتهى إليها عمد إلى ساداتها وهم ثلاثة أخوة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب بنو عمرو بن عمير ، فكلمهم ودعاهم إلى [ ص: 18 ] الإسلام وإلى نصرته فردوه ردا قبيحا ، وأغروا به عبيدهم وسفهاءهم فاتبعوه يرمونه بالأحجار ، حتى دميت قدماه فرجعوا عنه ، ومال إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة فاستند إليه : ليستروح مما ناله ، فرآه عتبة ، وشيبة ، فرقا له بالرحم مما لقي ، وأنفذا إليه طبق عنب مع غلام لهما نصراني يقال له " عداس " فلما مد يده ليأكل منه سمى الله ، فاستخبره " عداس " عن أمره ، فأخبره وعرف نبوته ، فقبل يديه ، وقدميه ، فلما عاد " عداس " إلى عتبة وشيبة ، فقالا له : رأيناك فعلت معه ما لم تفعله معنا ؟ قال : لأنه نبي ، فقالا : فتنك عن دينك ، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد مكة حتى إذا صار بنخلة اليمامة فقام في الليل يصلي ، ويقرأ ، فمر به سبعة نفر من الجن قيل : إنهم من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ، فكان ما قصه الله تعالى في كتابه : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن [ الأحقاف : 29 ] .
وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وقريش على أشد ما كانت عليه من خلافه ، وفراق دينه .
وقيل : إنه دخل في جوار المطعم بن عدي .