فصل : فإذا تقرر ما وصفنا صار فرض الجهاد عاما في كل زمان ومكان ، واختلف أصحابنا في
nindex.php?page=treesubj&link=29299ابتداء فرضه ، هل كان على الأعيان ثم انتقل إلى الكفاية ؟ أو لم يزل على الكفاية ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة أن ابتداء فرضه كان على الأعيان ، ثم نقل إلى الكفاية لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28980انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] . وفيه سبعة تأويلات :
أحدها : شبابا وشيوخا ، وهذا قول
الحسن .
والثاني : أغنياء وفقراء ، وهذا قول
أبي صالح .
والثالث : أصحاء ومرضى ، وهذا قول
جويبر .
والرابع : ركبانا ومشاة ، وهذا قول
جويبر .
والخامس : نشاطا وكسالى ، وهذا قول
ابن عباس .
والسادس : على خفة النفير وثقله ، وهذا قول
ابن جرير .
والسابع : خفافا إلى الطاعة ، وثقالا عن المخالفة . ويحتمل تأويلا ثامنا : خفافا إلى المبارزة وثقالا في المصابرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28980وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله [ ص: 111 ] [ التوبة : 41 ] . وفي
nindex.php?page=treesubj&link=27390الجهاد بالمال تأويلان :
أحدهما : الإنفاق على نفسه بزاد وراحلة .
والثاني : ببذل المال لمن يجاهد إن عجز عن الجهاد بنفسه .
وفي
nindex.php?page=treesubj&link=27390الجهاد بالنفس تأويلان :
أحدهما : الخروج مع المجاهدين .
والثاني : القتال إذا حضر الوقعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41ذلكم خير لكم فيه تأويلان :
أحدهما : أن الجهاد خير من تركه .
والثاني : أن الخير في الجهاد لا في تركه .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41إن كنتم تعلمون فيه تأويلان :
أحدهما : إن كنتم تعلمون صدق الله في وعده ووعيده .
والثاني : إن كنتم تعلمون أن الله يريد لكم الخير ، فدلت هذه الآية على تعيين الفرض ، ثم دل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وعلى الثلاثة الذين خلفوا [ التوبة : 118 ] يعني : تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا وهم :
كعب بن مالك ،
وهلال بن أمية ،
ومرارة بن الربيع ، تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة
تبوك . وفي قوله : خلفوا تأويلان :
أحدهما : خلفوا عن السرية .
والثاني : خلفوا عن الخروج :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت [ التوبة : 118 ] لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين هجروهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وضاقت عليهم أنفسهم يعني : مما لقوه من جفاء المسلمين لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه [ التوبة : 118 ] أي : تيقنوا أنهم لا يجدون ملجأ يلجئون إليه في قبول توبتهم والصفح عنهم إلا إلى الله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118ثم تاب عليهم ليتوبوا [ التوبة : 118 ] 0 أي : قبل توبتهم ليستقيموا .
قال
كعب بن مالك : وذلك بعد خمسين ليلة من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
تبوك ، فلو كان فرض الجهاد على الكفاية دون الأعيان لم يخرج هؤلاء الثلاثة وقد خرج في هذه الغزوة ثلاثون ألفا ، لا يؤثر هؤلاء الثلاثة فيهم .
والوجه الثاني : أن فرض الجهاد لم يزل على الكفاية دون الأعيان لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة : 122 ] . وفيه تأويلان :
أحدهما : وما كان عليهم أن يجاهدوا جميعا لأن فرضه على الكفاية .
والثاني : ما كان لهم إذا جاهدوا قوما أن يخرجوا معهم ، حتى يتخلفوا لحفظ
[ ص: 112 ] الذراري وطاعة الرسول :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين فيه تأويلان :
أحدهما : ليتفقه الطائفة النافرة إما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جهاده ، وإما مهاجرة إليه في إقامته ، وهذا قول الحسن .
والثاني : ليتفقه الطائفة المتأخرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النفور في سراياه ، وهذا قول
مجاهد . وفي المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122ليتفقهوا في الدين تأويلان :
أحدهما : ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله ، وتأييده لدينه ، وتصديق وعده ومشاهدة معجزاته ليقوى إيمانهم ، ويخبروا به قومهم إذا رجعوا إليهم .
والثاني : ليتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع ، ويتحملوا عن الرسول ما يقع به البلاغ لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم : فدل هذا على أن فرض الجهاد على الكفاية ،
nindex.php?page=treesubj&link=28975وقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خذوا حذركم تأويلان :
أحدهما : احذروا عدوكم .
والثاني : خذوا سلاحكم ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فانفروا ثبات يعني : فرقا وعصبا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71أو انفروا جميعا أي : بأجمعكم . فخيرهم الله تعالى بين الأمرين ، فدل على أن فرضه لا يتعين على الكافة ، وإنما تعين على الثلاثة الذين تخلفوا : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاهم بأعيانهم ، فتعينت عليهم الإجابة حين عين الخروج عليهم ، فهذا توجيه الوجهين في ابتداء فرضه ، والصحيح عندي أن ابتداء فرضه كان على الأعيان في
المهاجرين وعلى الكفاية في غيرهم : لأن
المهاجرين انقطعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنصرته : فتعين فرض الجهاد عليهم ، ولذلك كانت سرايا رسول الله قبل
بدر بالمهاجرين خاصة ، وما جاهد عليه
الأنصار قبل
بدر ، فتعين الفرض على من ابتدئ به ، ولم يتعين على من لم يبتدأ به ، ومن أجل ذلك سمى أهل الفيء من المقاتلة
مهاجرين ، وجعل فرض العطاء فيهم ، وسمى غيرهم وإن جاهدوا أعرابا كما قال الشاعر :
قد حسها الليل بعصلبي أروع خراج من الداوي
مهاجرا ليس بأعرابي
فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا صَارَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَامًّا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29299ابْتِدَاءِ فَرْضِهِ ، هَلْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْكِفَايَةِ ؟ أَوْ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْكِفَايَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِهِ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28980انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [ التَّوْبَةِ : 41 ] . وَفِيهِ سَبْعَةُ تَأْوِيلَاتٍ :
أَحَدُهَا : شَبَابًا وَشُيُوخًا ، وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ .
وَالثَّانِي : أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ ، وَهَذَا قَوْلُ
أَبِي صَالِحٍ .
وَالثَّالِثُ : أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى ، وَهَذَا قَوْلُ
جُوَيْبِرٍ .
وَالرَّابِعُ : رُكْبَانًا وَمُشَاةً ، وَهَذَا قَوْلُ
جُوَيْبِرٍ .
وَالْخَامِسُ : نَشَاطًا وَكَسَالَى ، وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالسَّادِسُ : عَلَى خِفَّةِ النَّفِيرِ وَثِقَلِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ جَرِيرٍ .
وَالسَّابِعُ : خِفَافًا إِلَى الطَّاعَةِ ، وَثِقَالًا عَنِ الْمُخَالَفَةِ . وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا ثَامِنًا : خِفَافًا إِلَى الْمُبَارَزَةِ وَثِقَالًا فِي الْمُصَابَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28980وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ ص: 111 ] [ التَّوْبَةِ : 41 ] . وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=27390الْجِهَادِ بِالْمَالِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ .
وَالثَّانِي : بِبَذْلِ الْمَالِ لِمَنْ يُجَاهِدُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ .
وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=27390الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْخُرُوجُ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ .
وَالثَّانِي : الْقِتَالُ إِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْجِهَادَ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْخَيْرَ فِي الْجِهَادِ لَا فِي تَرْكِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقَ اللَّهِ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ .
وَالثَّانِي : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ لَكُمُ الْخَيْرَ ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَعْيِينِ الْفَرْضِ ، ثُمَّ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [ التَّوْبَةِ : 118 ] يَعْنِي : تَابَ اللَّهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَهُمْ :
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ،
وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ ،
وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ ، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ . وَفِي قَوْلِهِ : خُلِّفُوا تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : خُلِّفُوا عَنِ السَّرِيَّةِ .
وَالثَّانِي : خُلِّفُوا عَنِ الْخُرُوجِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [ التَّوْبَةِ : 118 ] لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ هَجَرُوهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ يَعْنِي : مِمَّا لَقُوهُ مِنْ جَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [ التَّوْبَةِ : 118 ] أَيْ : تَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَلْجَأً يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ إِلَّا إِلَى اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [ التَّوْبَةِ : 118 ] 0 أَيْ : قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ لِيَسْتَقِيمُوا .
قَالَ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : وَذَلِكَ بَعْدَ خَمْسِينَ لَيْلَةً مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
تَبُوكَ ، فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى الْكِفَايَةِ دُونَ الْأَعْيَانِ لَمْ يَخْرُجْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَقَدْ خَرَجَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ثَلَاثُونَ أَلْفًا ، لَا يُؤَثِّرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ فِيهِمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْكِفَايَةِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ التَّوْبَةِ : 122 ] . وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجَاهِدُوا جَمِيعًا لِأَنَّ فَرْضَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ .
وَالثَّانِي : مَا كَانَ لَهُمْ إِذَا جَاهَدُوا قَوْمًا أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ ، حَتَّى يَتَخَلَّفُوا لِحِفْظِ
[ ص: 112 ] الذَّرَارِيِّ وَطَاعَةِ الرَّسُولِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ فِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : لِيَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ إِمَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِهَادِهِ ، وَإِمَّا مُهَاجَرَةً إِلَيْهِ فِي إِقَامَتِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ .
وَالثَّانِي : لِيَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ النُّفُورِ فِي سَرَايَاهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ . وَفِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : لِيَتَفَقَّهُوا فِيمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ ، وَتَأْيِيدِهِ لِدِينِهِ ، وَتَصْدِيقِ وَعْدِهِ وَمُشَاهَدَةِ مُعْجِزَاتِهِ لِيَقْوَى إِيمَانُهُمْ ، وَيُخْبِرُوا بِهِ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ .
وَالثَّانِي : لِيَتَفَقَّهُوا فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَمَعَالِمِ الشَّرْعِ ، وَيَتَحَمَّلُوا عَنِ الرَّسُولِ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَلَاغُ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ : فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ فَرَضَ الْجِهَاد عَلَى الْكِفَايَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28975وَقَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خُذُوا حِذْرَكُمْ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : احْذَرُوا عَدُوَّكُمْ .
وَالثَّانِي : خُذُوا سِلَاحَكُمْ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ يَعْنِي : فِرَقًا وَعُصَبًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا أَيْ : بِأَجْمَعِكُمْ . فَخَيَّرَهُمُ اللَّه تَعَالَى بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْكَافَّةِ ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا : لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ ، فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِمُ الْإِجَابَةُ حِينَ عَيَّنَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ ، فَهَذَا تَوْجِيهُ الْوَجْهَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ فَرْضِهِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِهِ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي
الْمُهَاجِرِينَ وَعَلَى الْكِفَايَةِ فِي غَيْرِهِمْ : لِأَنَّ
الْمُهَاجِرِينَ انْقَطَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنُصْرَتِهِ : فَتَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ
بَدْرٍ بِالْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً ، وَمَا جَاهَدَ عَلَيْهِ
الْأَنْصَارُ قَبْلَ
بَدْرٍ ، فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ عَلَى مَنِ ابْتُدِئَ بِهِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى مَنْ لَمْ يُبْتَدَأْ بِهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَمَّى أَهْلَ الْفَيْءِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ
مُهَاجِرِينَ ، وَجَعَلَ فَرْضَ الْعَطَاءِ فِيهِمْ ، وَسَمَّى غَيْرَهُمْ وَإِنْ جَاهَدُوا أَعْرَابًا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
قَدْ حَسَّهَا اللَّيْلُ بِعَصْلَبِيِّ أَرْوَعَ خَرَّاجٍ مِنَ الدَّاوِيِّ
مُهَاجِرًا لَيْسَ بِأَعْرَابِيِّ