مسألة : قال الشافعي : " وأحب أن لا يعطى المشرك من الفيء شيئا ، ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه ، وهو سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أغفل ذلك الإمام أعطي من سهم النبي ، صلى الله عليه وسلم .
قال الماوردي : ، فحاله معهم تنقسم أربعة أقسام : إذا أراد الإمام أن يستعين بأهل الذمة من المشركين
أحدها : وهو أولاها به أن يستأجرهم بأجرة معلومة يعقدها مع كل واحد منهم أو مع أحدهم نيابة عن جميعهم ، فتصح هذه الإجارة معهم ، وإن لم تصح مع المسلمين لوقوع الفرق بينهما بأن المسلم إذا شهد الوقعة لزمه الثبات في حق نفسه ، فلم يجز أن يستأجر عليه ، والمشرك إذا شهدها لم يلزمه الثبات في حق نفسه ، فجاز أن يستأجر عليه ، ويجوز أن تزيد الأجرة على سهم راجل وفارس .
وقال أبو علي بن أبي هريرة : لا يجوز أن تبلغ سهم فارس ولا راجل لخروجه عن أهل الجهاد كما لا يبلغ برضخ صبي ولا عبد سهم فارس ولا راجل ، وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أنها أجرة في عقد إجارة فلم تتقدر إلا عن مراضاة كسائر الإجارات ، وكما يجوز أن تكون أجرة من يستأجر لحمل الغنيمة أكبر من سهم راجل وفارس في تلك الغنيمة .
والثاني : أن عقد الإجارة معهم قبل المغنم ، وسهام الغانمين المستحقة من بعد مجهولة تزيد بكثرة الغنائم وتنقص بقلتها ، فلم يصح أن يعتبر في عقد تقدمها ، فإذا شهدوا الوقعة أخذوا بالقتال جبرا ، وإن لم يجبر المسلم عليه إلا عند ظهور لعدو واستيلائه .
والفرق بينهما : أن قتال المشرك هو العمل الذي استؤجر عليه فوجب استيفاؤه [ ص: 133 ] منه جبرا : لأنه متعين عليه . وقتال المسلم في حق نفسه على وجه الكفاية غير متعين ، فلم يجبر عليه ، ولا تمنع جهالة القتال وجهالة مدته من جواز الإجارة عليه : لأنه من عموم المصالح ، فجاز فيه من الجهالة ما لم يجز في العقود الخاصة .
فإن حضروا ولم يقاتلوا ، نظر فيه ، فإن تعذر القتال لانهزام العدو استحقوا الأجرة لأنهم قد بذلوا أنفسهم لما استؤجروا عليه ، فصاروا كمن أجر نفسه للخدمة فلم يستخدم أو أجر دارا فسلمها ولم تسكن .
وإن أمكن القتال فلم يقاتلوا مع الحاجة إلى قتالهم رد من الأجرة بالقسط مما تتقسط عليه الأجرة وفيه وجهان :
أحدهما : أنها تتقسط على المسافة من بلد الإجارة في دار الإسلام ، إلى موضع الرقعة من دار الحرب ، وعلى القتال فيها : لأنها إجارة على مسافة وعمل .
والوجه الثاني : أنها تتقسط على مسافة مسيره من بلاد الحرب إلى موضع الوقعة وعلى القتال فيها ، ولا تتقسط على مسافة مسيره في بلاد الإسلام .
والفرق بين المسافتين أن مسيره في بلاد الإسلام سبب يتوصل به إلى العمل : لأنه في غيرها فلم تتقسط عليه الأجرة ، ومسيره في دار الحرب شروع في العمل المستحق عليه : لأنه كل موضع في دار الحرب محل لقتال أهله ، فتقسط عليه الأجرة .
وهذان الوجهان مبنيان على اختلاف الوجهين في مسافة الحج هل تتقسط عليه أجرة المعلم أم لا ؟ على وجهين :
فإن صالح الإمام أهل الثغر الذين استأجرهم للغزو إليه نظر ، فإن كان الصلح بعد دخوله بهم إلى دار الحرب لم يسترجع منهم الأجرة : لأن مسيرهم قد أثر في الرهبة المفضية إلى الصلح ، وإن كان الصلح قبل مسيره بهم من بلاد الإسلام استرجع منهم جميع الأجرة ، وكان هذا عذرا بجواز أن يفسخ به ما تعلق بعموم المصالح من الإجارة وإن سلم تفسخ بمثله العقود الخاصة .
وإن كان الصلح بعد مسيره في بلاد الإسلام وقبل دخوله إلى أرض الحرب ففي استحقاقهم من الأجرة بقدر المسافة وجهان من الوجهين المتقدمين :
أحدهما : يستحق به إذا قيل : إن الأجرة تتقسط عليه .
والوجه الثاني : لا يستحق به إذا قيل إن الأجرة لا تتقسط عليه .
ولو استأجرهم للغزو إلى ثغر فأراد أن يعدل بهم إلى غيره لعذر أو غير عذر نظر ، فإن كانت مسافة الثغر الثاني أبعد ، وكان طريقه أوعر ، وكان أهله أشجع لم يكن له ذلك ، وإن كان مثل الأول أو أسهل كان له ذلك كمن استأجر أرضا ليزرعها برا فليس [ ص: 134 ] له أن يزرعها ما يضر بها أكثر من ضرر البر ، وله أن يزرعها ما يضر بها مثل ضرر البر وما هو أقل والله أعلم .