مسألة : قال  الشافعي      : " وكذلك رد السلام ودفن الموتى والقيام بالعلم ونحو ذلك ، فإذا قام بذلك من فيه الكفاية : لم يحرج الباقون ، وإلا حرجوا أجمعون " .  
قال  الماوردي      : وإنما ذكر هذا ، وإن لم يكن من أحكام الجهاد : لأنه من فروض الكفايات بالجهاد فذكر ثلاثة أشياء :  رد السلام   ،  ودفن الموتى   ،  وطلب العلم      .  
فأما السلام ، فيتعلق به حكمان :  
أحدهما : في  ابتدائه      .  
والثاني : في  رده      .  
فأما ابتداؤه فينقسم ثلاثة أقسام : أدب ، وسنة ، ومختلف فيه .  
فأما القسم الأول : وهو الأدب ، فسلام المتلاقيين ، وهو خاص ، وليس بعام : لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به كل منهم ، ويخرج به عن العرف ، وإنما يقصد به أحد أمرين :  
إما أن يكسب به ودا ، وإما أن يستدفع به بذءا .  
قال الله تعالى :  ادفع بالتي هي أحسن      [ المؤمنون : 96 ] . فقيل في تأويله :  
ادفع بالسلام إساءة المسيء : فصار هذا السلام خاصا وليس بعام ، وكان من آداب الشرع لا من سننه : لأنه يفعله لاجتلاب تآلف ، والأولى في ابتداء هذا السلام أن يبدأ به الصغير على الكبير ، والراكب على الماشي ، والقائم على القاعد : لأن ذلك مروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن استويا فأيهما بدأ به كان له فضل التحية .  
وأما القسم الثاني : وهو  سلام السنة   ، فهو سلام القاصد على المقصود ، وهو عام يبتدئ به كل قاصد على كل مقصود من صغير وكبير ، وراكب وماش ، قد  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتدئ بالسلام إذا قصد ، ويبتدئ به إذا لقي  وقصد وهو من سنن الشرع : لأنه مندوب إليه لغير سبب مجتلب ، وبينه وبين سلام الأدب فرقان :  
أحدهما : عموم هذا وخصوص ذاك .  
والثاني : تعيين المبتدئ بهذا وتكافؤ ذاك ، وهو ضربان :  
أحدهما : أن يكون المقصود واحدا فيتعين السلام عليه من القاصد ، ويتعين الرد فيه على المقصود .  
 [ ص: 146 ] والضرب الثاني : أن يكون المقصود جماعة ، فذلك ضربان :  
أحدهما : أن يكون عدد الجماعة قليلا يعمهم السلام الواحد فليس يحتاج في قصدهم إلى أكثر من سلام واحد يقيم به سنة السلام ، وما زاد عليه من تخصيص بعضهم فهو أدب وليس يلزم رد السلام إلا من واحد ومن زاد عليه فهو من أدب .  
والضرب الثاني : أن يكون جمعا لا ينتشر فيهم سلام الواحد كالجامع والمسجد الحافل بأهله ، فسنة السلام أن يبتدئ به الداخل في أول دخوله إذا شاهد أوائلهم ، ويؤدي سنة السلام جميع من سمعه ، ويدخل في فرض الكفاية - الرد - جميع من سمعه ، فإذا أراد الجلوس فيهم سقطت عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين ، وإن أراد أن يجلس فيمن بعدهم ممن لم يسمعوا سلامه المتقدم ، ففيه وجهان :  
أحدهما : أن سنة السلام عليهم قد سقطت بالسلام على أوائلهم : لأنهم جمع واحد فإن سلم عليهم كان أدبا ، فعلى هذا إذا أحد أهل المسجد رد عليه سقط به فرض الكفاية عن جميعهم .  
والوجه الثاني : أن سنة السلام باقية عليه فيمن لم ينتشر فيهم سلامه إذا أراد الجلوس بينهم لأنهم بسلامه أخص ، فعلى هذا لا يسقط فرض الرد عن الأوائل برد الأواخر .  
وأما القسم الثالث : وهو المختلف فيه  فسلام القاصد إذا لزمه الاستئذان على المقصود   ، فيؤمر القاصد بالاستئذان والسلام لقول الله تعالى :  ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها      [ النور : 27 ] . وفي قوله :  حتى تستأنسوا   ، تأويلان :  
أحدهما : يعني حتى تستأذنوا ، قاله  ابن عباس      .  
والثاني : حتى تعلموا أن فيها من يأذن لكم من قوله :  آنس من جانب الطور نارا      [ القصص : 29 ] . أي : علم ، قاله  ابن قتيبة   ، وفيما يبتدئ به من الاستئذان والسلام وجهان :  
أحدهما : يبدأ بالاستئذان قبل السلام لقوله تعالى :  حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها      [ النور : 27 ] . فعلى هذا يكون الاستئذان واجبا والسلام سنة .  
والوجه الثاني : أن يبدأ بالسلام قبل الاستئذان : لأنه وإن كان مقدما في التلاوة فهو مؤخر في الحكم لرواية  محمد بن سيرين      :  أن رجلا استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل : " قم " فعلم هذا كيف يستأذن فإنه لم يحسن ، فسمعها الرجل فسلم واستأذن  ، والأولى عندي من اختلاف هذين الوجهين أن يكون محمولا على      [ ص: 147 ] اختلاف حالين ، لا يتعارض فيهما كتاب ولا سنة وهو إن وقعت عين القاصد على المقصود قبل دخوله قدم السلام على الاستئذان على ما جاءت به السنة ، وإن لم تقع عينه عليه قدم الاستئذان على السلام على ما جاء به الكتاب ، فعلى هذا إذا أمر أن يبتدئ بالسلام فسلم ، فهل يكون سلامه استئذانا أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : يكون استئذانا ، ويكون رده إذنا ، فعلى هذا يكون هذا السلام واجبا وإعادته بعد الوجوب أدبا .  
والوجه الثاني : لا يكون استئذانا ، ولا يكون رده إذنا فعلى هذا يكون هذا السلام مسنونا ، قد سقطت به سنة السلام بعد الإذن .  
				
						
						
