مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن حملت فهكذا وتقوم عليه إن كان بها حمل وكانت له أم ولد " .
قال الماوردي : وصورتها أن ، فيتعلق بحملها أربعة أحكام بعد ثلاثة قدمنا ذكرها في اختصاصها بالوطء : تحمل منه الجارية التي وطئها من المغنم
أحدها : سقوط الحد .
والثاني : وجوب التعزير مع العلم بالتحريم .
والثالث : استحقاق المهر ، فأما الأحكام الأربعة المتعلقة بإحبالها :
فأحدها : لحوق الولد به .
والثاني : حريته .
والثالث : وجوب قيمته .
والرابع : أن تصير الجارية به أم ولد .
فأما لحوق الولد فهو لاحق به ، سواء اعترف به أو لم يعترف ، إذا وضعته لزمان يمكن أن يكون منه .
وقال أبو حنيفة : لا يلحق به ، وبناه على أصله في أن ولد الأمة لا يلحق بسيدها إلا بالاعتراف ، وعندنا يلحق بالفراش ، وقد صارت فراشا بهذا الوطء ؛ لأنه وطء شبهة يسقط فيه الحد فأشبه وطء الحرة .
[ ص: 237 ] وأما حرية الولد فهو حر : لأنه لحق به عن شبهة ملك ، وعند أبي حنيفة يكون مملوكا لأنه لم يلحقه به .
وأما قيمة الولد فتعتبر بحال الأم فيما يستقر لها من حكم ، والأم قد أحبلها في شبهة ملك ، وولد المملوكة ينقسم ثلاثة أقسام قد تكررت في كثير من هذا الكتاب :
أحدها : ما تصير به المملوكة أم ولد ، هو أن تلد حرا من مالك كالسيد .
والثاني : ما لا تصير به أم ولد ، وهو أن تلد مملوكا من غير مالك كالزوج .
والثالث : ما اختلف قول الشافعي فيه وهو أن فلا تكون قبل أن يملكها الواطئ أم ولد ، وهل تصير له بعد ملكها أم ولد أم لا ؟ على قولين : تلد حرا من غير مالك كالحر إذا وطئ أمة غيره بشبهة
أحدهما : تصير له أم ولد ، قاله في كتاب حرملة .
والقول الثاني : لا تصير له أم ولد ، قاله في كتاب الأم ، وهذه الجارية السبية قد ولدت حرا في شبهة ملك ، ولها حالتان :
إحداهما : أن يكون ذلك قبل قسمتها بين الغانمين .
والحال الثانية : أن تكون بعد قسمتها بين القبائل .
فأما الحال الأولى فهي أن يكون ذلك قبل قسمتها في الغانمين ، وهي مسألة الكتاب أن ، فهو على ضربين : يطأها بعد السبي ، وقبل أن يتعين فيها حق أحد من الغانمين
أحدهما : أن يكثر عدد الغانمين حتى لا ينحصر حق الواطئ من هذه الجارية ، فيكون واطئا لجارية لم يملكها ، ولا ملك شيئا منها ، وإنما له فيها شبهة ملك وهو أنه يملك منها في الحال أن يتملكها في ثاني حال ، فهل تصير أم ولد بحبلها إذا ملكها أم لا ؟ على قولين ، فعلى هذا قد اختلف أصحابنا ، على ثلاثة أوجه : هل تقوم عليه قبل الولادة لأجل علوقها منه بحر
أحدها : لا تقوم عليه موسرا كان أو معسرا ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا ؟ كما لا تقوم عليه أمة غيره إذا أحبلها بشبهة ، فعلى هذا يكون عليه قيمة ولدها إذا وضعته ، فإن قسمت فصارت في سهمه ، فهل تصير له أم ولد أم لا ؟ على ما ذكرنا من القولين .
والوجه الثاني : تقوم عليه ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا : لأنها حامل منه بحر ، وفي قسمها قبل ولادته ضرر على ولده ، وفي تأخيرها إلى الولادة ضرر على الغانمين فوجب أن تؤخذ بقيمتها : لأجل الضرر الحادث عن فعله ، فإن [ ص: 238 ] كانت قيمتها بقدر سهمه من المغنم حصلت قصاصا ، وإن كانت أكثر رد الفضل ، وإن كانت أقل دفع الباقي ، فإذا وضعت لم يلزمه قيمة ولدها ، وهل له بيعها أم لا ؟ على قولين : يجوز له بيعها في أحدهما إذا قيل : إنها لا تصير له أم ولد .
والوجه الثالث : أنها تقوم عليه إذا قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها ، ولا تقوم عليه إذا قيل : إنها لا تصير أم ولد إذا ملكها ، اعتبارا بما يتعدى إليها من حكم إيلاده ، فعلى هذا إن قومت عليه لم يلزمه قيمة ولدها ، وإن لم تقوم عليه لزمه قيمة ولدها .