مسألة : قال الشافعي : " " . ومن أعتق منهم فلا يورث كمثل أن لا تقوم بنسبه بينة
قال الماوردي : إما لحميل في النسب فضربان :
أحدهما : أن يملك مسلم بالسبي مشركا فيعتقه ويستلحق به ، ويجعله لنفسه ولدا ، فيصير محمول النسب عن أبيه إلى سابيه ، ويكون الحميل بمعنى المحمول ، كما يقال : قتيل بمعنى مقتول ، فهذا لا يلحق النسب ، ولا يتغير به حكم المستلحق وهو إجماع ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ، فنقلهم عما كانوا عليه في الجاهلية من استلحاق الأنساب إلى ما استقر عليه الإسلام من إلحاقها بالفراش . الولد للفراش وللعاهر الحجر
والضرب الثاني : أن يقر المسبى بعد عتقه بنسب وارد من بلاد المشركين ، ويكون الحميل بمعنى الحامل ، فيقسم النسب ثلاثة أقسام : مردود ، ومقبول ، ومختلف فيه .
فأما القسم المردود : فهو أن يقر بنسب يستحق به الميراث ، ولا يملك المقر استحداث مثله ، كالمقر بأب ، أو بأخ ، أو عم ، فيرد إقراره به ، ولا يقبل إلا ببينة تشهد [ ص: 248 ] بنسبه ، وسواء كان يرث جميع المال كالأب أو بعضه كالأم ، لرواية الشعبي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى شريح أن لا يورث حميلا حتى تقوم به بينة من المسلمين " .
وروى الزهري قال : جمع عثمان بن عفان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشارهم في الحميل ، فأجمعوا أنه لا يورث إلا ببينة ، ولأن معتقه قد ملك ولاءه عن الرق الذي لا يملك العبد إزالة ما استحقه من الملك ، فكذلك إذا أعتق لا يملك إزالة ما استحقه معتقه بولائه من الإرث .
فإن قيل : أليس لو أقر الحر بأخ ، وله عم قبل إقراره ، وإن حجب الأخ العم ، فهلا كان إقراره بالنسب مع الولاء مقبولا كذلك ؟ قيل : الفرق بينهما أن النسب يرث به ويورث ، فزالت التهمة ، والولاء لا يرث به ولا يورث ، فلحقت التهمة .
وأما القسم المقبول : فهو أن يقر بنسب لا يستحق به الميراث ، كالخال والجد من الأم فمقبول منه بغير بينة : لأنه لا يسقط به حق معتقه من الميراث .
وأما القسم المختلف فيه : فهو أن يقر بنسب يستحق به الميراث ، ويملك استحداث مثله كإقراره بابن أو بنت ، فقد اختلف أصحابنا في ثبوت نسبه بإقراره من غير بينة على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه لا يقبل إقراره بنسبه إلا ببينة تشهد به ، كالنسب الذي لا يملك استحداث مثله لعموم ما اجتمعت عليه الصحابة من المنع من توريث الحميل ، ولما جمعهما التعليل من إسقاط الميراث بالولاء .
والوجه الثاني : يقبل إقراره ببينة بخلاف ما لا يملك استحداث مثله ، لأمرين :
أحدهما : أن من ملك استحداثه جاز أن يملك الإقرار به أولى .
والثاني : أن ولده يدخل في ولاء معتقه ، ولا يدخل فيه أبوه فافترقا .
والوجه الثالث : أنه يقبل إقراره بمن ولد بعد عتقه ، ولا يقبل إقراره بمن ولد قبل عتقه : لأنه بعد العتق يملك استحداث مثله بغير إذن ، ولا يملك قبل العتق استحداث مثله إلا عن إذن فافترقا ، والله أعلم .