وقال أبو حنيفة : هو مكروه ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة احتجاجا بقول الله تعالى : وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وبما روي أن علي بن أبي طالب نهى بصفين عبد الله بن عباس عن المبارزة ، وقال لابنه محمد ابن الحنفية : ، فإن دعيت فأجب ، فإن الداعي باغ والباغي مصروع . لا تدعون إلى البراز
ودليلنا قول الله تعالى : انفروا خفافا وثقالا قيل : خفافا في الإسراع إلى المبارزة وثقالا في الثبات للمصابرة .
وروى أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المبارزة بين الصفين فقال : لا بأس به . وجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش مؤتة ، وقال : الأمير زيد بن حارثة ، فإن أصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا ، فتقدم زيد بن حارثة وبرز فقاتل حتى قتل ، ثم تقدم جعفر فقاتل حتى قتل ، وتقدم عبد الله بن رواحة وبرز فقاتل حتى قتل ، فاختار المسلمون خالد بن الوليد ، فقاتل وحمى المسلمين حتى خاضوا وعادوا ، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثنى عليهم ، وأخبر بعظم ثوابهم .
وروى محمد بن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين وأخذ سيفا فهزه وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه فقال عمر : أنا آخذه بحقه ، فأعرض عنه ، ثم هزه ثانية ، وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه فقال الزبير : أنا آخذه فأعرض عنه ، ثم هزه ثالثة وقال : من يأخذه بحقه فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ فقال : أن تضرب به في العدو حتي ينحني ، فأخذه منه وتعمم بعصابة حمراء ومشى إلى الحرب متبخترا ، وهو يقول :
أنا أخذته في رقه إذ قيل من يأخذه بحقه قبلته بعدله وصدقه
للقادر الرحمن بين خلقه المدرك القابض فضل رزقه
من كان في مغربه وشرقه
[ ص: 252 ] فأما الجواب عما احتج به من الآية : فهو أنه إذا أمر بقتالهم كافة إذا قاتلوا كافة جاز أن يقاتلوا آحادا وكافة ، لأن الواحد بعض الكافة ، وأما نهي علي - - عليه السلام - عنه فلمصلحة رآها ، خاف منها على ولده وابن عمه ، خصوصا في قتال المسلمين ، كيف وقد لبس درع ابن عباس ، وبرز عنه حتى قتل اللخمي الذي بارزه ، وفعله أوكد من نهيه .