مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : "
nindex.php?page=treesubj&link=8161فإذا بارز مسلم مشركا أو مشرك مسلما على ألا يقاتله غيره وفى بذلك له ، فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه ، فلهم أن يحملوا عليه ويقتلوه : لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله ، ولهم دفعه واستنقاذ المسلم منه ، فإن امتنع وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه : لأنه نقض أمان نفسه . أعان
حمزة وعلي على
عتبة بعد أن لم يكن في
عبيدة قتال ولم يكن
لعتبة أمان يكفون به عنه ، ولو أعان المشركون صاحبهم كان حقا على المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه ولا يقتلون المبارز ما لم يكن استنجدهم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، وإذا بارز مسلم مشركا إما داعيا أو مجيبا ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يكون للمشرك المبارز شرط ، فيجوز للمسلمين أن يقاتلوه مع
[ ص: 253 ] المبارز منهم ويقتلوه : لأنه على أصل الإباحة ، وإن اختص بالمبارزة الواحد ، قال
الشافعي : اللهم إلا أن العادة جارية أن من بارز لا يعرض له حتى يعود إلى صفه ، فيحمل على ما جرت به العادة ، وتصير العادة كالشرط .
والضرب الثاني : أن يكون له شرط فضربان :
أحدهما : أن يشترط أن لا يقاتله غير من برز إليه ، فيجب الوفاء بشرطه : لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود [ المائدة : ا ] . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
المسلمون عند شروطهم : فلا يجوز أن يقاتل المشرك ما كان المسلم على قتاله ، فإذا انقضى القتال بينهما إما بأن ولى المسلم أو جرح فكفه عن القتال ، أو ولى المشرك أو جرح فكف عن القتال كان لنا أن نقاتل المشرك ونقتله : لأن أمانه كان مشروطا بمدة المقاتلة فانقضى بزوال المقاتلة : ولأن
شيبة بن ربيعة لما أثخن
عبيدة بن الحارث يوم
بدر ولم يبق فيه قتال ، مال
علي بن أبي طالب ،
وحمزة بن عبد المطلب على
شيبة حتى أجازا عليه .
والضرب الثاني : أن يستظهر في إشراط الأمان لنفسه أن يكون آمنا حتى يرجع إلى صفه ، فيحمل على شرطه ، ولا يجوز أن يقاتل بعد انقضاء المبارزة ، حتى يرجع إلى صفه ، وفاء بالشرط إلا أن يكون من المشرك إحدى ثلاث خصال ، يبطل بها أمانه :
إحداهن : أن يولي عنه المسلم ، فيتبعه ، فيبطل أمانه ، ويجوز لنا أن نقاتله ونقتله : لأن المبارزة قد انقضت ، وأمانه منا مستحق عند أماننا منه ، فإذا لم نأمنه لم نؤمنه .
والخصلة الثانية : أن يظهر المشرك على المسلم ، ويعزم على قتله ، فيجب علينا أن نستنقذ منه المسلم لما يلزم من حراسة نفسه ، فإن قدر على استنقاذه منه بغير قتله لم يجز أن يقتل ، وإن لم يقدر على استنقاذه منه إلا بقتله جاز لنا أن نقتله : لأنه لا أمان على قتل مسلم .
والخصلة الثالثة : أن يستنجد المشرك أصحابه من المشركين في معونته على المسلم ، يبطل أمانه : لأنه كان مشروطا بالمبارزة ، وقد زال حكمها بالاستنجاد ، فإن أعانوه من غير أن يستنجدهم نظر ، فإن نهاهم عن معونته فلم ينتهوا كان على أمانه ، وكان لنا قتال من أعانه دونه ، وإن لم ينههم كان إمساكه عنهم رضا منه بمعونتهم له ، فصار كاستنجاده لهم في نقض أمانه وجواز قتاله وقتله
.
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : "
nindex.php?page=treesubj&link=8161فَإِذَا بَارَزَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكٌ مُسْلِمًا عَلَى أَلَّا يُقَاتِلَهُ غَيْرُهُ وَفَى بِذَلِكَ لَهُ ، فَإِنْ وَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُ أَوْ جَرَحَهُ فَأَثْخَنَهُ ، فَلَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ وَيَقْتُلُوهُ : لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قَدِ انْقَضَى وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمِنٌ حَتَى يَرْجِعَ إِلَى مَخْرَجِهِ مِنَ الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَتْلُهُ ، وَلَهُمْ دَفْعُهُ وَاسْتِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ ، فَإِنِ امْتَنَعَ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ : لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ . أَعَانَ
حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عَلَى
عُتْبَةَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي
عُبَيْدَةَ قِتَالٌ وَلَمْ يَكُنْ
لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عَنْهُ ، وَلَوْ أَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهُ وَلَا يَقْتُلُونَ الْمُبَارِزَ مَا لَمْ يَكُنِ اسْتَنْجَدَهُمْ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَإِذَا بَارَزَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا إِمَّا دَاعِيًا أَوْ مُجِيبًا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْرِكِ الْمُبَارِزِ شَرْطٌ ، فَيَجُوزَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوهُ مَعَ
[ ص: 253 ] الْمُبَارِزِ مِنْهُمْ وَيَقْتُلُوهُ : لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِالْمُبَارَزَةِ الْوَاحِدُ ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ : اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ مَنْ بَارَزَ لَا يُعْرَضُ لَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى صَفِّهِ ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، وَتَصِيرُ الْعَادَةُ كَالشَّرْطِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرْطٌ فَضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ مَنْ بَرَزَ إِلَيْهِ ، فَيَجِبَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ : لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [ الْمَائِدَةِ : ا ] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ : فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكَ مَا كَانَ الْمُسْلِمُ عَلَى قِتَالِهِ ، فَإِذَا انْقَضَى الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِأَنْ وَلَّى الْمُسْلِمُ أَوْ جُرِحَ فَكَفَّهُ عَنِ الْقِتَالِ ، أَوْ وَلَّى الْمُشْرِكُ أَوْ جُرِحَ فَكَفَّ عَنِ الْقِتَالِ كَانَ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكَ وَنَقْتُلَهُ : لِأَنَّ أَمَانَهُ كَانَ مَشْرُوطًا بِمُدَّةِ الْمُقَاتَلَةِ فَانْقَضَى بِزَوَالِ الْمُقَاتَلَةِ : وَلِأَنَّ
شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ لَمَّا أَثْخَنَ
عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ
بَدْرٍ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ قِتَالٌ ، مَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى
شَيْبَةَ حَتَّى أَجَازَا عَلَيْهِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي إِشْرَاطِ الْأَمَانِ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ آمِنًا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى صَفِّهِ ، فَيُحْمَلَ عَلَى شَرْطِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتَلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُبَارَزَةِ ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى صَفِّهِ ، وَفَاءً بِالشَّرْطِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِ إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ ، يَبْطُلُ بِهَا أَمَانُهُ :
إِحْدَاهُنَّ : أَنْ يُوَلِّيَ عَنْهُ الْمُسْلِمُ ، فَيَتْبَعَهُ ، فَيَبْطُلَ أَمَانُهُ ، وَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُ وَنَقْتُلَهُ : لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ قَدِ انْقَضَتْ ، وَأَمَانَهُ مِنَّا مُسْتَحَقٌّ عِنْدَ أَمَانِنَا مِنْهُ ، فَإِذَا لَمْ نَأْمَنْهُ لَمْ نُؤَمِّنْهُ .
وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَظْهَرَ الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَيَعْزِمَ عَلَى قَتْلِهِ ، فَيَجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَنْقِذَ مِنْهُ الْمُسْلِمَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ حِرَاسَةِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِنْهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُ : لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ .
وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَسْتَنْجِدَ الْمُشْرِكُ أَصْحَابَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي مَعُونَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، يَبْطُلُ أَمَانُهُ : لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوطًا بِالْمُبَارَزَةِ ، وَقَدْ زَالَ حُكْمُهَا بِالِاسْتِنْجَادِ ، فَإِنْ أَعَانُوهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنْجِدَهُمْ نُظِرَ ، فَإِنْ نَهَاهُمْ عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَمْ يَنْتَهُوا كَانَ عَلَى أَمَانِهِ ، وَكَانَ لَنَا قِتَالُ مَنْ أَعَانَهُ دُونَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُمْ كَانَ إِمْسَاكُهُ عَنْهُمْ رِضًا مِنْهُ بِمَعُونَتِهِمْ لَهُ ، فَصَارَ كَاسْتِنْجَادِهِ لَهُمْ فِي نَقْضِ أَمَانِهِ وَجَوَازِ قِتَالِهِ وَقَتْلِهِ
.