فصل : فأما تفسير كلام الشافعي في أول الباب ، وهو قوله : " لا أعرف ما أقوله في أرض السواد إلا بظن مقرون إلى علم " فقد أنكر هذا الكلام على الشافعي من وجهين :
أحدهما : قوله : لا أعرف ما أقول في أرض السواد ، ما أحد بدأ في كتاب في علم بمثل هذا اللفظ : لأن من لم يعرف شيئا لم يجز أن يتعرض لإثبات حكمه .
والثاني : قوله : إلا بظن مقرون إلى علم ، والظن شك والعلم يقين ، وهما ضدان فكيف يصح الجمع بينهما ، وهو ممتنع ؟ . قيل : أما قوله : لا أعرف ما أقول في أرض السواد : فلأن الطريق إلى العلم يفتحها النقل المروي ، وقد اختلفت الرواية عنه ، فروى بعضهم أنها فتحت صلحا ، وروى بعضهم أنها فتحت عنوة ، وروى آخرون أن بعضها فتح صلحا ، وبعضها فتح عنوة .
[ ص: 265 ] وهذا الاختلاف في النقل يمنع من الأخذ بأحدها إلا بدليل ، فحسن أن يقول : لا أعرف إثبات أحدهما ، وإن كنت أعرف نقل جميعها .
وأما قوله : " إلا بظن مقرون إلى علم " ، فقد اختلف أصحابنا في مراده به على ما هو محمول على فتحها أو على حكمها على وجهين :
أحدهما : أنه محمول على فتحها أنه عنوة لا صلحا ، وهو المشهور من قوله .
والوجه الثاني : أنه محمول على حكمها أنها وقف لا يجوز بيعها ، وهو الظاهر من مذهبه .
فإن قيل : إن المراد فتحها ، ففي تأويل قوله : " إلا بظن مقرون إلى علم " وجهان :
أحدهما : أنه أراد بالظن هنا الاجتهاد الذي هو غلبة الظن ، وأراد بالعلم الخبر : لأن جنس الأخبار قد يفضي إلى العلم ، فكأنه توصل باجتهاده وغلبة ظنه إلى إثبات خبر جرير ، وعلم من خبر جرير أنها فتحت عنوة .
والوجه الثاني : أن الاجتهاد وغلبة الظن هو فيما خفي واشتبه من سبب فتحها ، والعلم هو فيما ظهر وانتشر من قسمها ، فاستدل بظاهر القسمة على باطن العنوة .
وإن قيل : إن المراد به حكمها : لأنها وقف ، ففي تأويل قوله : إلا بظن مقرون إلى علم وجهان :
أحدهما : أن العلم ما فعله عمر من استنزالهم عنها ، وغلبة الظن فيما حكم به من وقفها .
والثاني : أن العلم وضع الخراج عليها ، وغلبة الظن في المنع من بيعها ، والله أعلم .