مسألة : قال الشافعي : " وإذا قدم ليقتل لم يجز له من ماله إلا الثلث " .
قال الماوردي : أما لم يخل حالها من ثلاثة أقسام : الأسير في دار الحرب ، ومن وجب عليه من المسلمين القصاص في النفس ، إذا وهبا مالا وأعطيا عطايا
أحدها : أن تكون هباتهما وعطاياهما قبل تقديمهما للقتل والقصاص ، فيكون ذلك من رءوس أموالهم دون الثلث : لأن السلامة عليها في هذه الحال أغلب من الخوف .
والقسم الثاني : أن تكون عطاياهما بعد تقديمهما للقتل والقصاص ، ووقوع الجرح بهما ، وإنهار دمهما ، فيكون من الثلث لا من رأس المال : لأن الخوف عليهما بعد الجرح أغلب ، والسلامة فيها نادرة ، فأجرى عليهما في الحياة حكم الوصايا بعد الموت ، لقول الله تعالى : ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ، [ آل عمران : 143 ] . فأجرى عليهما عند حضور أسباب الموت حكم الموت .
والقسم الثالث : أن يكون عطاياهما بعد تقديمهما للقتل والقصاص ، وقبل وقوع الجرح بهما ، فقد قال الشافعي في الأسير : تكون عطاياه من الثلث ، فجعل الخوف عليه أغلب ، وقال في المقتص منه : تكون عطاياه من رأس المال دون الثلث ، فجعل السلامة عليه أغلب ، فخالف بينهما في الجواز مع اتفاقهما في الصورة .
فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه :
أحدها : - وهو قول أبي إسحاق المروزي - إن جمع بين المسألتين وجمع اختلاف الجوابين وخرجهما على قولين :
أحدهما : تكون عطاياهما من الثلث على ما نص عليه في الأسير : لأن الخوف عليهما أرجى من الخوف على المريض .
والقول الثاني : تكون عطاياهما من رأس المال على ما نص عليه في المقتص منه بخلاف المريض ما لم يقع به جرح : لأن سبب الموت حال في بدن المريض ، وليس بحال في بدن الأسير والمقتص منه ، فهذا وجه .
والوجه الثاني : أن الجواب على ظاهره فيهما ، فتكون من الثلث ، وعطايا المقتص منه من رأس المال ، ويكون الأسير أخوف حالا منه : لأنه مع أعدائه [ ص: 274 ] في الدين يرون قتله تدينا وقربة ، والمقتص منه مع موافقين فيه وصفهم الله بالرأفة والرحمة ، وندبهم إلى العفو مع المقدرة . عطايا الأسير
والوجه الثالث : أن تغلب شواهد الحال فيهما ، فإن شوهد من المشركين في الأسير رقة ولين كانت عطاياه من رأس المال ، وإن لم يشاهد ذلك كانت من الثلث .
وإن شوهد من أولياء القصاص غلظة وحنق ، كانت عطاياه من الثلث ، وإن لم يشاهد ذلك كانت من رأس المال ، وهذا محكي عن أبي العباس بن سريج ، وقد ذكرنا في كتاب الوصايا من التفريع على هذه المسألة ، فيمن وجب عليه القتل في الحرابة ، والرجم في الزنا ، والحامل إذا ضربها الطلق ، وراكب البحر إذا اشتد به الريح ، والملتحم في القتال بين الصفين ما أغنى عن الإعادة ، وبالله التوفيق .