مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا اتجروا في بلاد المسلمين إلى أفق من الآفاق لم يؤخذ منهم في السنة إلا مرة كالجزية ، وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن يؤخذ مما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين ، وأن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ، ولولا أن عمر - رضي الله عنه - أخذه منهم ما أخذناه ، ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة إلا مرة ( قال : ) ويؤخذ منهم ما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ، ومن أهل الذمة نصف العشر ، ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذ ( قال المزني ) - رحمه الله - : قد روى الشافعي - رحمه الله - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من حديث صحيح الإسناد أنه أخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر ، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ومن القطنية العشر ( قال الشافعي : ) ولا أحسبه أخذ ذلك منهم إلا بشرط " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، لم يعشر ، وكذلك لو طاف به في بلاد الإسلام : لأنها دار واحدة ، فإنه باع ماله واشترى به متاعا من بلاد الإسلام ، وأراد حمله إلى دار الحرب روعي شرط صلحهم ، فإن كان مشروطا عليهم تعشير أموالهم من دخولهم وخروجهم عشروا خارجين كما عشروا داخلين . إذا أخذ من الحربي عشر ماله في دخوله ، ثم نقله إلى بلد آخر
وإن لم يشترط عليهم لم يعشروا في الخروج وعشروا في الدخول ، وإذا اتجروا [ ص: 343 ] في بلاد الإسلام حتى حال عليهم الحول ، قال الشافعي : عشروا بعد انقضاء الحول ثانية ، واعتبرهم بالمسلمين في أخذ الزكاة منهم في كل حول ، وهذا عنده معتبر بالشرط المعقود معهم ، فإن تضمن تعشير أموالهم في كل حول عشروا ، وإن تضمن تعشيرها ما حملوه من دار الحرب لم يعشروا اعتبارا بموجب الشرط .
فأما الذمي إذا اتجر في الحجاز بعد تعشير ماله حتى حال عليه الحول عشر ثانية في كل حول : لأن للذمي في الجزية حولا مقيدا تتكرر جزيته فيه ، فجعل أصلا لعشر ماله في كل حول ، وليس هو في حول الجزية أصلا : ولأن أحكام الإسلام جارية على الذمي دون الحربي ، فلما استقر حكم الإسلام على أخذ الزكاة من مال المسلم في كل حول ، صار ذلك أصلا في تعشير مال الذمي في الحجاز في كل حول .
فأما إذا اتجر الذمي في غير الحجاز من بلاد الإسلام ، فلا عشر عليه لجواز استيطانه لها بخلاف بلاد الحجاز التي لا يجوز أن يستوطنها ، فإن شرط الإمام عليهم ذلك حملوا على شروطه ، وكان زيادة في جزيتهم .