مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا يجوز أن بحال لأن القتل للمسلمين شهادة ، وأن الإسلام أعز من أن يعطى مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال [ ص: 354 ] يخافون الاصطلام فيعطون من أقوالهم أو يفتدي مأسورا فلا بأس لأن هذا موضع ضرورة " . يهادنهم على أن يعطيهم المسلمون شيئا
قال الماوردي : وهذا صحيح ، ، فإن تعذرت إجابتهم إليه ، ودعت الحاجة إلى مهادنتهم على غير مال جاز ، فأما عقدها على مال يحمله المسلمون إليهم ، فلا يجوز : لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله ، وأظهره على الأديان كلها ، وجعل لهم الجنة قاتلين ومقتولين ، لقول الله تعالى : والأولى من الهدنة أن تعقد على مال يبذله المشركون لنا إذا أجابوا إليه إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون [ التوبة : 111 ] فلم يجز مع ثواب الشهادة وعز الإسلام أن يدخلوا في ذلك البذل وصغار الدفع ما لم تدع ضرورة إليه ، فإن دعت إليه الضرورة ، وذلك في إحدى حالتين .
إما أن يحاط بطائفة من المسلمين في قتال أو وطء يخافون معه الاصطلام ، فلا بأس أن يبذلوا في الدفع عن اصطلامهم مالا ، يحقنون به دماءهم ، قد هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق أن يصالح المشركين على الثلث من ثمار المدينة ، وشاور الأنصار ، فقال : إن كان هذا بأمر الله سمعنا وأطعنا وإن كان بغير أمره لم نقبله .
وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن الحارث بن عمرو الغطفاني رئيس غطفان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن جعلت لي شطر ثمار المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجلا ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : حتى أستأذن السعود ، يعني سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وأسعد بن زرارة فاستأمرهم فقالوا : إن كان هذا بأمر من السماء ، فنسلم لأمر الله ، وإن كان برأيك ، فرأينا تبع لرأيك وإن لم يكن بأمر من السماء ، ولا برأيك فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية ثمرة إلا بشرى أو قرى ، فكيف ، وقد أعزنا الله بك فقال له : هو ذا تسمع ما يقولون ، ولم يعطه شيئا ، فهو وإن لم يعطهم فقد نبه بالرجوع إلى الأنصار على جواز عطائهم عند الضرورة ، ولأن ما ينال المسلمين من نكاية الاصطلام أعظم ضررا من ذلة البذل ، فافتدى به أعظم الضررين .
والحال الثانية : ، وكانوا يستذلونهم بعذاب أو امتهان ، فيجوز أن يبذل لهم الإمام في افتكاكهم مالا ليستنقذهم به من الذلة والخطر ، وإن افتداهم بأسرى كان أولى . افتداء من في أيديهم من الأسرى إذا خيف على نفوسهم
وروى أبو المهلب عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فادى رجلا برجلين . عن
وما بذله المسلمون من مال في اصطلام أو فداء فهو كالمغصوب لأخذه منهم جبرا بغير حق فإن ظفر به المسلمون عنوة لم يغنموه ، وأعيد إلى مستحقه الذي خرج منه من مال مسلم ، أو من بيت المال ، وإن وجدوه مع مستأمن نظر فيه ، فإن كان سبب [ ص: 355 ] بذله باقيا لم يسترجع منه : لما في استرجاعه من عود الضرر ، وإن زال سبب بذله استرجع منه وأعيد إلى مستحقه ، ولم يعترض عليه في غيره من أمواله لأمانه .