فصل : والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي على قوله أكثر أصحابه .
وقيل : إنه قول أبي إسحاق المروزي ، وإن لم أره في شرحه ، أن قيمته في حق كل واحد منهما معتبرة بحال جنايته وجراحة كل واحد منهما ، قد سرى نصفها إلى ما دخل في ضمان ، فسقط اعتباره وسرى نصفها إلى ما دخل في ضمان غيره ، فوجب اعتباره : لأنها لو سرت في حقه إلى جميع النفس سقطت ، ولو لم تسر في حقه إلى شيء من النفس وجبت ، فوجب إذا سرت في حقه إلى نصف النفس أن يسقط نصف الأرش ويجب نصف الأرض مضمونا إلى نصف القيمة وقت جنايته ، ويتحمل الثاني عن الأول نصف الأرش كما تحمل عنه نصف النفس .
وبيانه : أن نقول جرحه الأول ، وقيمته عشرة دراهم ، وأرش جراحته درهم ، فوجب عليه نصف العشرة ، وهي خمسة ونصف الأرش وهو نصف درهم يتحمله عنه الثاني ، ثم جرحه الثاني ، وقيمته تسعة دراهم وأرش جراحته درهم ، فوجب عليه نصف قيمته أربعة دراهم ، ونصف أرش جراحته ، وهو نصف درهم يتحمله عن الأول ، فيصير عليه خمسة دراهم ، وعلى الأولى : خمسة دراهم ، فيصير هذا موافقا لقول المزني في الجواب ، ومخالفا له في التعليل : ليكون سليما على الأصول ، فعلى هذا لو كان أرش جراحة الأول درهما ، وأرش جراحة الثاني ثلاثة دراهم كان على الأول نصف العشرة ، وهي خمسة ، ونصف أرش جراحته وهو نصف درهم ، وجرحه الثاني ، وقيمته تسعة دراهم ، فعليه نصفها أربعة دراهم ونصف ، وعليه نصف أرش جراحته : وهو درهم ونصف تحملها عن الأولى ، فصار عليه ستة دراهم ، وبقي على الأول أربعة دراهم ، وعلى هذا لو كان أرش جراحة الأولى ثلاثة دراهم ، وأرش جراحة الثاني درهما ، كان على الأول نصف قيمته ، وهي خمسة دراهم ، ونصف أرش جنايته ، وهو درهم ونصف ، يصير عليه ستة دراهم ونصف ، وجرحه الثاني وقيمته سبعة دراهم عليه نصفها [ ص: 36 ] ثلاثة دراهم ونصف ، ونصف أرش جراحة ، وهي نصف درهم يتحمله عن الأول ، فيصير على الثاني أربعة دراهم ، وبقي على الأول ستة دراهم ، ثم على هذا القياس ، فيكون الوجهان متفقين في الجواب مختلفين في التعليل .
واختلف من قال بهذا الوجه فيما يحمله الثاني عن الأول من نصف الأرش : هي يكون في ضمان الأول حتى يؤخذ من الثاني ؟ أو يكون ساقطا عنه بضمان الثاني ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يكون في ضمانه حتى يؤخذ من الثاني كالغاصب إذا غصب عبدا ، فجرحه آخر في يده كان أرش الجراح من ضمانه وضمان غاصبه ، كذلك هاهنا ، فعلى هذا يكون مالك العبد مخيرا في أخذ نصف أرش جراحة الثاني في الأول أو الثاني ، فإن أخذه من الأول رجع به الأول على الثاني ، وإن أخذه من الثاني لم يرجع به على الأول .
والوجه الثاني : وهو أصح أنه يسقط عن الأول بضمان الثاني كما سقط عنه نصف القيمة بضمان الثاني ، فلا يستحق مالك الصيد مطالبة الأول به ، ويستحقه على الثاني مع نصف القيمة .
فإن قيل : فهلا كان اعتبار قيمة الصيد في حق الجارحين سواء ، فتكون القيمة قبل الجراحتين بينهما نصفين بالسوية ، كالحر إذا جرحه اثنان ، فمات كانت الدية عليها بالسوية نصفين ، ولم يكن ما على الثاني منهما أقل مما على الأول .
قيل : لأن دية الحر بعد الجناية كديته قبلها ، وقيمة العبد بعد الجناية أقل من قيمته قبلها ، ألا تراه لو قتل حرا مقطوع اليد كانت عليه دية من ليس بأقطع ؟ ولو قتل عبدا مقطوع اليد كانت عليه قيمة عبد أقطع ؟ فهذا حكم الوجه الثاني .