[ ص: 288 ] باب  لغو اليمين   من هذا ومن اختلاف  مالك   والشافعي   
مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله : أخبرنا  مالك   ، عن  هشام بن عروة   ، عن أبيه ، عن  عائشة  أنها قالت :  لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله     . قال  الشافعي   رحمه الله : والعفو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه ، وجماع اللغو هو الخطأ ، واللغو كما قالت  عائشة  ، والله أعلم . وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه .  
قال  الماوردي      : وأصل هذا قول الله تعالى :  لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم      [ البقرة : 225 ] ، يريد بترك المؤاخذة باللغو في الأيمان ارتفاع المأثم وسقوط الكفارة .  
واختلف الفقهاء في  لغو اليمين الذي يسقط به المأثم والتكفير   على مذاهب شتى  
أحدها : ما قاله  مالك      : إن لغو اليمين هو اليمين الغموس أن يحلف على الماضي كاذبا فلا يؤاخذ بالكفارة وإن كان آثما وهي اليمين الغموس .  
والمذهب الثاني : ما قاله  أبو حنيفة      : بأن لغو اليمين بأن يحلف على ماض يعتقد أنه صادق ، فيبين كاذبا فلا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .  
والمذهب الثالث : ما قال  إبراهيم النخعي      : أن لغو اليمين أن يحلف ناسيا على ماض أو مستقبل ، فلا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .  
والمذهب الرابع : ما قال  الشعبي   ومسروق      : هو أن يحلف على معصية فيتركها فيصير لاغيا يمينه ، لا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .  
والمذهب الخامس : ما قاله  سعيد بن جبير   أن لغو اليمين هو أن يحرم على نفسه ما أحله الله تعالى له من قول أو عمل ، لا يؤاخذ فيه بمأثم ولا كفارة .  
والمذهب السادس : ما قاله  الشافعي      : أن لغو اليمين ما يسبق به لسانه من غير قصد ولا عقد كقوله : لا والله ، بلى والله ، فلا يؤاخذ فيه بمأثم ولا كفارة ، وهو قول      [ ص: 289 ] ابن عباس   وعائشة  وعطاء   وأكثر التابعين ، استدلالا بقول الله تعالى :  لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم      [ البقرة : 225 ] ، فدل على أن ما لم يقصده بقلبه لم يؤاخذ به وقال :  ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان      [ المائدة : 89 ] ، فدل على أن ما لم يعقده بعزمه لم يؤاخذ به ، ولما رواه  الشافعي   عن  عائشة  في صدر الباب ، وقد رواه  حسان بن إبراهيم   ، عن  عطاء   ، عن  عائشة  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في لغو اليمين :  هو كلام العرب ، لا والله ، وبلى والله     .  
وروى  طاوس   ، عن  ابن عباس   قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لا يمين في غضب  فأسقط اليمين في الغضب لسبق اللسان بها وعدم القصد لها : ولأن لغو الكلام عند العرب ما تجرد عن غرض ، وعري عن قصد ، وكان من البوادر والملغاة كما قال الله تعالى :  وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه      [ القصص : 55 ] ، فكان ما ذهب إليه  الشافعي   تقتضيه اللغة فيه مع ما قارنه من محايل الشرع .  
				
						
						
