فصل : [ في أي المسائل يشاور ] :  
فإذا تقررت هذه الجملة فالقاضي مأمور  بالمشاورة   في أحكامه وقضاياه .  
وهي ضربان :  
أحدهما : ظاهر جلي قد حصل الاتفاق فيه ، وانعقد الإجماع عليه ، فلا يحتاج في مثل هذا إلى مشاورة .  
والضرب الثاني : نوازل حادثة لم يتقدم فيها قول لمتبوع أو ما اختلف فيه العلماء من مسائل الاجتهاد فهو الذي يؤمر بالمشاورة فيها ، ليتنبه بمذاكرتهم ومناظرتهم على ما يجوز أن يخفى عليه ، حتى يستوضح بهم طريق الاجتهاد فيحكم باجتهاده دون اجتهادهم .  
فإن لم يشاور ، وحكم نفذ حكمه ، إذا لم يخالف فيه نصا أو إجماعا أو قياسا جليا غير محتمل .  
[  بين القاضي وأهل الشورى      ] :  
وليس على أهل الشورى إذا خالفوه في حكمه أن يعارضوه فيه ولا يمنعوه منه إذا كان مسوغا في الاجتهاد .  
وقال  أبو حنيفة      : إن كان أعلم من مخالفه عمل على اجتهاد نفسه ، وإن كان مخالفه أعلم منه عمل على اجتهاد مخالفه : لقول الله :  فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون      [ النحل : 43 ] .  
 [ ص: 50 ] ودليلنا قول الله تعالى :  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول      [ النساء : 59 ] . ولأن الصحابة اجتهدوا فيما اختلفوا فيه ، ولم يقلد بعضهم بعضا ، مع تفاضلهم في العلم : ولأن معه آلة الاجتهاد لتوصله إلى درك المطلوب فلم يكن له التقليد كالتقليد في التوحيد .  
والجواب عن الآية من وجهين :  
أحدهما : أنها محمولة على تقليد العامي لأنه قال : إن كنتم لا تعلمون .  
والثاني : أنها محمولة على سؤال المستشار في المذاكرة والكشف .  
فلو لم يصل القاضي باجتهاده إلى حكم الحادثة ففي جواز تقليده فيها وجهان :  
أحدهما : وهو قول  أبي العباس بن سريج   يجوز أن يقلد فيها ، للضرورة ، ويحكم لأنه ما من عالم إلا ويجوز أن يشكل عليه أحكام بعض الحوادث .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق المروزي      : لا يجوز أن يقلد في قضائه ويستخلف عليها من يحكم باجتهاده إن ضاق وقت الحادثة لأن الحاكم ملزم فلا يجوز أن يلزم ما لا يعتقد لزومه .  
				
						
						
