[  حكم الاجتهاد عند الشافعي وتخطئته للمجتهدين      ] .  
مسألة : قال  الشافعي      : " قال الله عز وجل في  داود   وسليمان   ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما      [ الأنبياء : 79 ] . قال  الحسن      : لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا من أحكام الاجتهاد ما أغنى ، ومراد  الشافعي   بما أشار إليه من هذا ما قدمناه من بيان مذهبه في الاجتهاد في ثلاثة أحكام :  
أحدها : أن عليه بالاجتهاد أن يتوصل إلى طلب العين ، وإصابة الحكم في الحادثة . وخالفه غيره فأوجب عليه الاجتهاد ليعمل بما أداه إليه .  
والثاني : أن الحق في أحد أقاويل المجتهدين ، لا في جميعها وخالفه غيره فجعل الحق في جميعها .  
والثالث : أن المصيب من المجتهدين واحد ، وإن لم يتعين ، وأن كلهم مخطئ عند الله ، وفي الحكم ، إلا ذلك الواحد ، فإنه يكون مصيبا عند الله ، وفي الحكم وخالفه غيره فجعل كل مجتهد مصيبا عند الله وفي الحكم .  
[  الاعتراض على الشافعي بأن له في المسألة الواحدة قولين      ] .  
فإذا استقرت هذه الأحكام الثلاثة من مذهبه في الاجتهاد اعترض بها عليه من خالفه في إنكار القولين ، فقالوا : كيف استجاز أن يحكم في حادثة بقولين مختلفين وثلاثة أقاويل وأكثر وهو يرى أن عليه طلب العين وأن الحق في واحد وأن كل مجتهد مخطئ إلا واحدا .  
فكان حكمه بالقولين خطأ من أربعة أوجه :  
 [ ص: 168 ] أحدها : أنه خالف بذلك أصول مذهبه في الاجتهاد ، لأن العمل بالقولين يمنع من وجوب طلب العين ، ويجعل الحق في جميع الأقاويل ، ويجعل كل مجتهد مصيبا ، فنقض بفروع الاجتهاد أصول مذهبه في الاجتهاد ، وكفى بهذا التناقض فسادا لقوله ووهنا لمذهبه .  
والوجه الثاني : أنه ابتدع بذلك طريقة خرق بها إجماع من تقدمه وأنه لم يتقدم من عصر الصحابة ومن بعدهم إلى زمانه من أجاب في حكم بقولين مختلفين في حال واحد ، وكانوا من بين من استقر له جواب ذكره أو خفي عليه فأمسك عنه ، ولم يجب أحد منهم في حكم بقولين ، لأن الجواب ما أبان وليس في القولين بيان ، وخرق الإجماع بالقولين كخرقه بغير القولين .  
والوجه الثالث : أن التناقض في أحكام الشرع ممتنع ، والحلال ليس بحرام ، والحرام ليس بحلال ، والإثبات ليس بنفي ، والنفي ليس بإثبات ، وهو بالقولين قد حلل الشيء في أحدهما وحرمه في الآخر ، وأثبته بأحدهما ونفاه الآخر ، وما أضاف إلى الشرع ممتنعا فيه وجب أن يكون مدفوعا به .  
والوجه الرابع : أنه لا يخلو إرسال القولين في أحد أمرين : إما أن يكون لضعف اجتهاده ، أو لرأيه في تكافؤ الأدلة ، وضعف الاجتهاد نقص يقتضي أن يكون فيه تابعا غير متبوع ، وتكافؤ الأدلة وإن قال به قوم فقد خالفهم فيه الأكثرون ، ولا يجوز مع تكافئها أن يكون له حكم فيها ولا مذهب يعتقده فيها .  
فأبطلوا عليه القول بالقولين من هذه الوجوه الأربعة ، وإن كان ما اعترضوا به كثيرا .  
فنحن نذكر قبل الانفصال عنها أقسام القولين فإذا توجه الاعتراض بها على أحد الأقسام لزم الانفصال عنه وإن لم يتوجه سقط .  
				
						
						
