هل السؤال عن سبب التعديل شرط   ؟  
مسألة : قال  الشافعي      : " ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول : عدل علي ولي .  
قال  الماوردي      : واختلف أصحابنا فيما ذكره  الشافعي   من هذا القول .  
فقال بعضهم : هذا يدل على أن الحاكم لا يسأل عن أسباب التعديل ، ويسألهم .  
عن أسباب الجرح : لأن الشهادة بالتعديل أن يجدوه سليما من الهفوات ، وهذا لا يحتاج فيه إلى شرح السبب ، والجرح بحدوث أفعاله الموجبة لفسقه ، فوجب شرحها .  
فعلى قول هذه الطائفة يكون السؤال عن سبب العدالة استظهار وليس بشرط واجب . وهو الذي عليه القضاء في زماننا .  
وعلى هذا قول  الشافعي      : ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول : " عدل علي ولي " .  
فاختلف أصحابنا في قوله : عدل علي ولي هل يكون مستعملا على الوجوب شرطا فيها ؟ أو على الاستحباب تأكيدا لها ؟ على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  أبي سعد الإصطخري   أنه محمول على الاستحباب تأكيدا ، لأن الشهادة بالتعديل تقتضي الحكم بها له وعليه .  
وهذا مذهب  أبي حنيفة   ، وأهل  العراق      .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق المروزي   وطائفة ، أنه محمول على الوجوب شرطا معتبرا في صحة التعديل ، فإن لم يذكره الشاهد لم يثبت التعديل على ظاهر ما قاله  الشافعي      .  
واختلف من قال بهذا في العلة .  
فقال  أبو إسحاق      : العلة فيه أنه قد يكون عدلا في شيء دون شيء ، وفي القليل دون الكثير ، فإذا قال ذلك عم ولم يخص .  
وقال غيره : بل العلة فيه أنه قد يكون الشاهد بالتعديل ممن لا تقبل شهادته له ، لأنه من والديه أو مولوديه أو لا تقبل شهادته عليه ، لأنه من أعدائه ومباينيه فإذا قال : عدل علي ولي زال هذا الاحتمال .  
 [ ص: 195 ] فعلى هذا التعليل لا يلزم ذلك إذا علم أنه لا نسب بينهما ولا عداوة .  
وعلى تعليل  أبي إسحاق   يلزم ذلك ، وإن علم أنه لا نسب بينهما ولا عداوة .  
فأما الشهادة بأنه عدل رضا فهو وإن جرت العادة بالجمع بينهما في التعديل ، فعند جمهور أصحابنا أن قوله رضا محمول من التأكيد دون الوجوب ، لأن العدل رضا .  
وذهب بعض البصريين من أصحابنا إلى أن شهادته بأنه رضا شرط في صحة التعديل ، لأن التعديل سلامة ، والرضا كمال .  
واستزاد بعض القضاة منهم في التعديل أن يذكر الشهود : " أنه مأمون في الرضا والغضب " .  
وهذا تأكيد ، وليس بشرط في التعديل : لأنه من أحكام العدالة أن يكون مأمونا في الرضا والغضب ، فلم يلزم في الشهادة أن نذكر أحكامها ، كما لا يلزم أن يذكر فيها صدقه ، وأمانته ، وتقواه ، وتحرجه .  
فهذا شرح المذهب على قول من ذهب إلى أن سؤال الشاهد عن أسباب العدالة استظهار وليس بواجب .  
وذهب آخرون إلى أن سؤاله عن أسبابها واجب ، لما قدمناه من التعليل ، من جواز الاحتمال في التعديل ، كجواز الاحتمال في التفسيق .  
فعلى هذا يكون الشاهد مؤديا لأسباب التعديل ، والقاضي هو الحاكم بالعدالة وتكون استزادته من الشهود ، أن يشهدوا أنه عدل علي ولي استخبارا عن حكم العدالة ، وليس بشرط في قبول الشهادة على سببها .  
وهل يكون هذا الاستخبار لازما في حق الحاكم وإن لم يكن لازما في حق الشاهد على وجهين :  
أحدهما : يكون لازما في حقه [ ليكون حكمه ] ، بالتعديل على أحوط الأمور .  
والوجه الثاني : أنه ليس بلازم في حقه ، كما ليس بلازم في حق الشاهد : لأن الشهادة بأسباب التعديل تغني عما سواه ، والله أعلم .  
				
						
						
