فصل : القول في التوثقة للمتنازعين .
وأما الفصل الثاني وهو : فلا يخلو ثبوت الحق عنده من أحد ثلاثة أضرب : التوثقة للمتنازعين فيما يثبت عنده من الحقوق
أحدها : أن يثبت الحق عنده [ بإقرار المدعى عليه ] .
فإذا سأله المدعي أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده ، من إقرار خصمه لزمته إجابته إليه ، وأشهد القاضي على نفسه بثبوت حقه عنده بإقرار خصمه ، لأنه لا حجة لصاحب الحق إلا الإقرار الذي قد يجوز أن يرجع عنه المقر فلزم القاضي إثبات حقه بالإشهاد على نفسه ليكون له حجة عند إنكار خصمه .
والضرب الثاني : أن يثبت الحق عنده بيمين المدعي بعد نكول خصمه [ فيلزم القاضي أن يشهد على نفسه بثبوت حق المدعي بيمينه بعد نكول خصمه ، لأنه لا حجة للمدعي غير إشهاد القاضي على نفسه .
فإن سأله صاحب الحق أن يكتب له بالإشهاد على نفسه محضرا ، نظر ، فإن كان في دين يستوفي عاجلا لم يلزمه كتب المحضر به ؛ لأنه يمكنه أن يستوفيه في الحال وإن كان في دين مؤجل أو في ملك متأبد ففي وجوب كتب المحضر وجهان :
أحدهما : لا يجب ؛ لأن الإشهاد بينة تغني عنه .
والوجه الثاني : يجب على القاضي كتب المحضر والإشهاد ليكون حجة مع صاحب الحق ، وذلك غير موجود في مطلق الشهادة فيكون كتب المحضر على ما سنذكره .
والضرب الثالث : أن يثبت الحق عنده بينة يقيمها المدعي على خصمه ، فهل يلزم القاضي الإشهاد على نفسه إذا سأله صاحب الحق ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يجب عليه : لأن له بالحق بينة فلم يلزم القاضي أن يجدد له بينة ويكون في ذلك مخيرا .
[ ص: 204 ] والوجه الثاني : يلزمه أن يشهد على نفسه مع البينة كما يلزمه أن يشهد في الإقرار : لأن في إشهاده على نفسه مع البينة الموجودة تعديل بينته ، وثبوت حقه ، وإلزام خصمه . فهذه ثلاثة أحكام لا تثبت إلا بإشهاده على نفسه .
فإن سأله صاحب الحق الإسجال له بحقه ، والإشهاد فيه على نفسه ، كان في وجوب الإسجال به وجهان كما ذكرنا في وجوب كتب المحضر بالإقرار .
ولو حكم على المنكر باليمين ، وأحلفه على إنكاره وسأله الإشهاد على نفسه بإحلافه ، لزمه الإشهاد لأن اليمين قد أبرأته من الدعوى مع عدم البينة ؛ فاحتاج إلى حجة يسقط بها الرجوع في مطالبته وليس له حجة إلا إشهاد القاضي على نفسه .
فإن سأله كتب محضر بإحلافه والإشهاد فيه على نفسه كان في وجوبه عليه وجهان :
وليس للمدعي المطالبة بالإشهاد على إنكار خصمه ، وإحلافه : لأن الحجة عليه ، وليست له .