مسألة : قال الشافعي : " لو لم يقبل إلا بشهود " . عزل فقال قد كنت قضيت لفلان على فلان
قال الماوردي : فالكلام في هذه المسألة يشتمل على أربعة فصول :
أحدها : في ولايته .
والثاني : في عزله .
والثالث : في حكمه .
والرابع : في قوله .
فأما الفصل الأول في ولايته فمعتبرة بما تضمنه عهده من حدود العمل وصفة النظر من عموم أو خصوص ، وعلى الإمام فيه حق ، وعلى القاضي فيه حق .
[ ص: 332 ] فأما ما على الإمام من حق فثلاثة أشياء :
أحدها : تقوية يده حتى لا يعجز عن استيفاء حق ودفع ظلم .
والثاني : مراعاة عمله حتى لا يتخطاه إلى غيره ولا يخل ببعضه .
والثالث : مراعاة أحكامه ، وإن تحرى ، عمل السداد من غير تجاوز ولا تقصير .
ولذلك ما اخترنا للإمام أن يثبت نسخة العهد في ديوانه ؛ لتعتبر أفعاله بما تضمنها وما يلزمه من مراعاته في مبادئ نظره أكثر مما يلزمه فيما بعد ، وإن لم يجز أن يخل بمراعاته في حال من الأحوال .
فإن شق ذلك عليه ندب له من يراعيه وينهي إليه ما يجري فيه .
ولذلك قلد الإمام قاضي القضاة ليكون نائبا عنه في مراعاة القضاة .
وأما فثلاثة أشياء : ما على القاضي من الحق
أحدها : أن يعمل بما تضمنه عهده من عمل ونظر ، فلا يتجاوز عمله ولا يقصر عنه ولا يتعدى ما جعل إليه من خصوص النظر ولا يخل بما جعل إليه من العموم النظر . ولذلك أمر بقراءة عهده على أهل عمله ليعلموا منه ما إليه وما ليس إليه .
والأولى أن يكون معه عند قراءة عهده شاهدان قد شهدا على ما تضمنه ليشهدوا به عند أهل عمله حتى يلتزموا طاعته .
فإن أعوزت الشهادة واقترن بقراءة العهد من شواهد الأحوال ما يدل على صحته من القرب من بلد الإمام وانتشار الحال واشتهارها لزمتهم الطاعة .
وإن لم يقترن به شاهد حال لم تلزم الطاعة .
والثاني : من الحقوق على القاضي : أن يستمد معونة الإمام فيما عجز عنه ، من استيفاء حق أو دفع ظلم ، حتى لا يفوت حق قد ندب لاستيفائه ولا يتم ظلم قد ندب لرفعه .
والثالث : أن لا يخل بالنظر مع المكنة اعتبارا بالعرف والعادة في أن لا يتأخر الخصوم عن المحاكمة ، ولا يمنع من الاستراحة ، وما جرت به عادة القضاة للانقطاع بمثله .
فإن كان مرتزقا لم يستحق رزقه قبل وصوله إلى عمله .
فإذا وصل إليه ونظر استحق الرزق .
وإن وصل ولم ينظر فإن كان متصديا للنظر يستحقه وإن لم ينظر ، كالأجير في العمل إذا سلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استحق أجرته .
[ ص: 333 ] وإن لم يتصد للنظر فلا رزق له ، كالأجير إذا لم يسلم نفسه للعمل .