فصل : وأما الفصل الرابع في قوله : وهو فهذا على ضربين : ما يخبر به عن نفسه أنه حكم لفلان على فلان بكذا
أحدهما : أن يخبر به في ولايته فقوله فيه مقبول وهو قول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء .
وحكي عن مالك ومحمد بن الحسن أنه لا يقبل قوله حتى يشهد به شاهدان استدلالا بشأنه لما لم يكن له أن يحكم على المنكر إلا بالشهادة لم يقبل قوله على المنكر إلا بالشهادة .
ودليلنا هو أنه لما ملك أن يحكم في ولايته ملك الإقرار بالحكم في ولايته ؛ لأن من ملك فعل شيء ملك الإقرار به كمن ملك عتق عبده ملك الإقرار بعتقه . فأما اعتبار ذلك بالشهادة فخارج عنها لوقوع الفرق بينهما بأن للحاكم ولاية وليس للشاهد ولاية .
والضرب الثاني : ، حتى يشهد به شاهدان ؛ لأنه لما لم يملك الحكم بعد عزله لم يقبل قوله في الحكم بعد عزله . أن يخبر بعد عزله بأنه قد كان حكم لفلان على فلان بكذا لم يقبل القاضي قوله وحده
ألا تراه لو أقر المطلق برجعة زوجته في عدتها قبل قوله ولا يقبل قوله بعد عدتها ؛ لأنه يملك الرجعة في العدة فملك الإقرار بها ، ولا يملك الرجعة بعد العدة فلم يملك الإقرار بها .
[ ص: 338 ] ولو قبل منه ، ولو أقر بعتقه بعد بيعه لم يقبل منه ؛ لأنه يملك عتقه قبل البيع ولا يملك عتقه بعد البيع . أقر بعتق عبد قبل بيعه
وهذا أصل مستمر .
وإذا كان هكذا فإن شهد به شاهدان لزم بالشهادة . لم يقبل قوله في الحكم بعد العزل
فأما إن ؛ انقسم ثلاثة أقسام : أراد أن يكون القاضي شاهدا فيما أخبر به ليشهد به مع غيره
أحدها : أن يشهد بإقرار مقر عنده ، فهذا جائز : لأنها شهادة بإقرار ، وليست بحكم ولا يحتاج في هذا الإقرار إلى استرعاء : لأن الإقرار في مجلس الحكم استرعاء .
والقسم الثاني : أن يشهد لحكم أمضاه عليه فمذهب الشافعي لا يجوز أن يكون شاهدا فيه ؛ لأنه يشهد على فعل نفسه .
وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا : يجوز أن يكون شاهدا فيه ، وإن كان شهادة على فعله كما تقبل شهادة المرضعة على الرضاع .
وهذا جمع فاسد : لأن الرضاع من فعل الولد ، فجازت شهادتها فيه ، والحكم من فعله ، فلم يجز أن يكون شاهدا فيه .
والقسم الثالث : أن يشهد بأن حاكما حكم عليه بكذا ويرسل ذكر الحاكم به فلا يعزيه إلى نفسه ولا إلى غيره ، ففي قبول شهادته وجهان :
أحدهما : لا تقبل حتى يعزيه إلى غيره لجواز أن يكون هو الحاكم به .
والوجه الثاني : يقبل ما لم يعزه إلى نفسه تغليبا لصحة الشهادة .