فصل : فأما المضارة فيسقط بها فرض الشهادة إن كانت في حق الشاهد ، وتتغلظ بها فرض الشهادة إذا كانت في حق المشهود له ، قال تعالى :  ولا يضار كاتب ولا شهيد       [ البقرة : 282 ] ، ولأهل العلم فيه ثلاثة تأويلات :  
أحدهما : أن المضارة أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ، ويشهد الشاهد بما لم يستشهد ، وهو قول  الحسن   ،  وطاوس   ،  وقتادة      .  
والثاني : أن المضارة أن يمتنع الكاتب أن يكتب ، ويمتنع الشاهد أن يشهد ، وهو قول  ابن عباس   ،  ومجاهد   ،  وعطاء      .  
والثالث : أن المضارة أن يدعى الكاتب والشاهد وهما مشغولان معذوران ، وهو قول  عكرمة   ،  والضحاك   ،  والسدي   ،  والربيع      .  
ويحتمل عندي تأويلا رابعا : أن تكون المضارة أن يدعى الكاتب أن يكتب بالباطل ، ويدعى الشاهد أن يشهد بالزور فهذا ما اختلف فيه أهل العلم من تأويل الآية . فإن كانت المضارة في حق الشاهد فهي على ضربين :  
أحدهما : أن يتعلق بالإجابة مأثم ، وذلك من وجهين :  
أحدهما : أن يسأله المشهود له أن يزيد في الحق .  
والثاني : أن يسأله المشهود عليه أن ينقصه من الحق ، فلا يسع الطالب أن يسأل ولا يسع الشاهد أن يجيب ، وكل واحد منهما آثم إن فعل .  
 [ ص: 55 ] والضرب الثاني : أن لا يتعلق بها مأثم ، وذلك من وجهين :  
أحدهما : أن يدعى الشاهد إلى ما يضر ببدنه من سفر .  
والثاني : إلى ما يضر بدنياه من انقطاع عن مكسب ، فالمأثم هاهنا يتوجه على الطالب إن ألزم ، ولا يتوجه إن سأل ، ولك هذا فضل الأجر إن أجاب ، وإن سقطت عنه الإجابة بالمضارة .  
وأما إن كانت  المضارة في حق المشهود له   فهي على ضربين :  
أحدهما : أن يضر الشاهد بالتوقف عن الشهادة من غير عذر .  
والثاني : أن يضر بتغيير الشهادة من غير شبهة ، فيكون بالتوقف آثما ، وبالتغيير مع المأثم كاذبا ، وفسقه بالكذب مقطوع به ، لأنه من الكبائر ، وفسقه بالمأثم معتبر بدخوله في الصغائر والكبائر بحسب الحال .  
فإن دخل في الصغائر لم يفسق ، وإن دخل في الكبائر فسق به .  
				
						
						
