مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : وقوله  شهيدين من رجالكم   يدل على إبطال قول من قال تجوز  شهادة الصبيان في الجراح   ما لم يتفرقوا فإن قال أجازها  ابن الزبير   فابن عباس   ردها .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا أن البلوغ شرط في قبول الشهادة ، فلا تقبل شهادة الصبيان بحال في قليل ولا كثير من مال ، ولا جراح وهو قول الجمهور .  
وقال  مالك      : تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح دون غيرها ما لم يتفرقوا ، فإن تفرقوا لم تقبل .  
وبه قال  عبد الله بن الزبير      .  
وحكي عن  الحسن البصري   أنه أجاز شهادتهم في الموضحة ، والسن فما دون ، ولم يجزها فيما زاد ، احتجاجا بقضاء  عبد الله بن الزبير   بشهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا .  
قال  ابن أبي مليكة      : فخالفه  عبد الله بن عباس   ، وصار الناس إلى قضاء  عبد الله بن الزبير   ، فكان إجماعا ، ولأن الشهادة معتبرة بحال الضرورة ، كما أجيزت شهادة النساء المنفردات في الولادة ، لأنها حالة لا يحضرها الرجال ، كذلك اجتماع الصبيان في لعبهم ، وما يتعاطون من رميهم لا يكاد يحضرهم الرجال ، فجاز للضرورة أن تقبل      [ ص: 60 ] شهادة بعضهم على بعض قبل افتراقهم ، لانتفاء التهمة عنهم ، ولم يجز بعد افتراقهم لتوجه التهمة إليهم ، والدليل على رد شهادتهم قول الله تعالى :  واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء      [ البقرة : من الآية 282 ] ، فدلت هذه الآية على المنع من قبول  شهادة الصبيان   من ثلاثة أوجه :  
أحدها : قوله : من رجالكم وليس الصبيان من الرجال .  
والثاني : أنه لما عدل عن الرجلين إلى أن قال :  فرجل وامرأتان   دلت على أنه لا يعدل إلى غيرهم من الصبيان .  
والثالث : أنه قال :  ممن ترضون من الشهداء   وليس الصبيان ممن يرضى من الشهداء .  
وروى  علي بن أبي طالب   ، عليه السلام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "  رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن النائم حتى ينتبه ، وعن المجنون حتى يفيق     " فلما كان القلم مرفوعا عنه في حق نفسه إذا أقر ، كان أولى أن يرفع في حق غيره ، إذا شهد ، ولأن الشهادة في الأموال أخف منها في الدماء ، وهي غير مقبولة منهم في الأموال ، فأولى أن لا تقبل في الدماء .  
ولأنه لو جاز لأجل اعتزالهم عن الرجال أن تقبل شهادة بعضهم على بعض ، لجاز لأجل اجتماع النساء في الحمامات والأعراس ، أن تقبل شهادة بعضهن على بعض ، وهي لا تقبل مع الضرورة مع جواز قبولهن مع الرجال في الأموال ، فالصبيان الذين لا تقبل شهادتهم مع الرجال ، فأولى أن لا تقبل في الانفراد ، وبه يبطل استدلالهم .  
وقضاء  ابن الزبير   مع خلاف  ابن عباس   يمنع من انعقاد الإجماع . والقياس مع  ابن عباس   ، لأن كل من لم تقبل شهادته في الأموال لم تقبل في الجراح ، كالفسقة .  
				
						
						
