مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ، قال : فإذا حدث ولد ، نقص من له حق في الحبس ، ويوقف حق المولود حتى يبلغ ، فيحلف ، فيأخذ أو يدع ، فيبطل حقه ، ويرد كراء ما وقف له من حقه على الذين انتقصوا من أجله حقوقهم سواء بينهم " .
قال الماوردي : وهذه المسألة موافقة لما تقدمها من وجه ، ومخالفة لها من وجه :
وصورتها : أن ، فجعل البطن الثاني في هذه المسألة مشاركا للبطن الأول ، وفي المسألة الأولى جعل البطن الثاني مترتبا بعد البطن الأول ، وهما فيما عدا ذلك على سواء . يدعي واحد من ثلاثة إخوة أن أباهم وقف هذه الدار عليهم ، وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء
فإذا أقام بهذه الدعوى شاهدا ليحلفوا معه ، لم يخل حال الإخوة الثلاثة من أن يكون معهم من أولادهم أحدا أو لا يكون .
فإن كان معهم من أولادهم واحد ، صاروا به في استحقاق الوقف أربعة ، لأنه يشاركهم فيه ، فلا يستحق نصيبه من الوقف إلا بيمينه ، ولا تغنيه يمين أبيه كما لا يستحقه أحد الثلاثة إلا بيمينه ، ولا يغنيه أيمان إخوته ، فإن حلف معهم قسم الوقف بينهم على أربعة أسهم ، وإن نكل سقط حقه ، وكان حكمه كحكم أحد الثلاثة إذا نكل مع يمين أخويه على ما قدمناه ، وإن لم يكن مع الإخوة الثلاثة عند ادعاء الوقف أحد من البطن الثاني ، وحلفوا مع شاهدهم استحقوا الوقف بينهم أثلاثا ، لأنه لا مشارك لهم فيه عند استحقاقهم .
فإن ولد لهم ولد صار مشاركا لهم في الوقف ، وصار معهم رابعا ، فوجب أن يوقف به نصيبه من الوقف وهو الربع ، لأنه واحد من أربعة ، ويكون موقوفا على يمينه بعد بلوغه ، وإن كان في الوقف المرتب يأخذه في أصح الوجهين بغير يمين .
والفرق بين الأمرين أنهم في الوقف المرتب بينهم وبين الواقف واسطة من البطن الأول قد ثبت الوقف بهم ، والبطن الثاني بدل منهم ، فانتقل إليهم من الوقف ما كان لهم .
وإذا كان الوقف مشتركا ، فكل بطن فيه أصل بأنفسهم من غير وسيط بينهم ، وبين [ ص: 95 ] الواقف ، فكان حكم كل بطن فيه كحكم البطن الأول لا يسقط بأيمان بعضهم أيمان غيرهم . فإن قيل : فقد اعترف له شركاؤه بحقه فيه ، فلم يحلف عليه مع اعتراف مستحقيه كما لو اعترف ثلاثة شركاء في دار برابع أنه شريكهم فيها استحق سهمه فيها بغير يمين قيل : قد اختلف أصحابنا مع نص الشافعي ، على أن نصيب الحادث موقوف على يمينه بعد بلوغه على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول أبي الفياض البصري أن الجواب محمول على أن الواقف شرط في وقفه أن من لم يقبله كان نصيبه على شركائه ، فلذلك حلف الحادث إن صدقه الشركاء ، لأنه يصير من أهله بقبوله ، وقبوله يكون بيمينه ، لأن سهمه إذا لم يقبل عائد عليهم ، ولو لم يشترط الواقف هذا استحق الحادث سهمه باعتراف شركائه بغير يمين كالدار المملوكة بين الشركاء الثلاثة ، إذا اعترفوا بشريك رابع فيها .
والوجه الثاني : وهو قول بعض البصريين أيضا أنه محمول على إطلاق الوقف إذا قيل : إن سهم من لم يقبل أو مات بعد قبوله ، ولم يكن له ولد - راجع على الشركاء ، فيستحلف الحادث ، ويرجع على الشهداء إن لم يحلف .
فأما إذا قيل : إن سهمه راجع على الفقراء والمساكين لم يستحلف الحادث ، ولم يرجع على الشركاء إن لم يحلف ، لأن أصحاب الشافعي قد اختلفوا في مذهبه في الوقف إذا لم يقبله أحد أربابه ، هل يكون نصيبه مع إطلاق شرط الوقف عائدا على شركائه أو على الفقراء والمساكين ؟ على وجهين :
والوجه الثالث : وهو قول أبي حامد الإسفراييني : أنه محمول على الأموال كلها في أن الحادث لا يستحق نصيبه ، وإن اعترف له الشركاء إلا بيمينه ، وفرق بين الوقف ، وبين الدار المملوكة بين الشركاء بفرقين :
أحدهما : أنهم في الوقف مقرون على الواقف ، وفي غير الوقف مقرون على أنفسهم .
والفرق الثاني : أن في الوقف حقا للبطن الثاني ، فلم ينفذ إقرارهم عليه ، وليس في الملك حق لغيرهم .
فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا كان سهم الرابع ، وهو الربع ، موقوفا على يمينه بعد بلوغه ، ولو حدث خامس وقف له خمس الوقف على يمينه بعد بلوغه ، فإن بلغ الحادثان لم يخل حالهما بعد بلوغهما من ثلاثة أحوال :
إما أن يحلفا أو ينكلا أو يحلف أحدهما ، وينكل الآخر .
[ ص: 96 ] فإن حلفا استحق الرابع الربع قبل حدوث الخامس ، والخمس بعد حدوثه واستحق الخامس الخمس لا غيره ، وإن نكلا جميعا رد ما وقف من ربع الرابع وخمس الخامس على الإخوة الثلاثة .
وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر سقط حق الناكل ، وصار الوقف بين أربعة فيكمل للرابع ربع الوقف من حين حدوثه ، وإلى وقت يمينه ، ويرد ما زاد على الإخوة الثلاثة . وبالله التوفيق .