فصل : والضرب الثاني : أن يموت الحادث الموقوف سهمه قبل بلوغه ، فيقوم ورثته فيه مقامه لانتقال حقه إليهم بالموت ، وهكذا لو قام ورثته مقامه ، فيحلفون ويستحقون أو ينكلون فيرد على أهل الوقف وإذا كان هكذا لم يخل حال وارث هذا الميت من ثلاثة أضرب : وقف سهم مجنون حتى يفيق فمات بعد بلوغه وقبل إفاقته
أحدهما : أن يرثه عمومته الثلاثة الذين حلفوا ، فهل يلزمهم في ميراث سهمه أن يحلفوا على استحقاقه له أم لا ؟ على وجهين ، قدمناهما في الوقف المرتب :
أحدها : لا يلزمهم أن يحلفوا ، لأنهم قد حلفوا .
والوجه الثاني : يلزمهم أن يحلفوا ، لأنهم حلفوا في حقوق أنفسهم ، وهذه يمين في حق غيرهم ، فإن نكلوا عن هذه لم يستحقوا سهم الميت ، وإن استحقوا سهام أنفسهم .
والضرب الثاني : أن يكون ورثة الميت ممن لا مدخل لهم في الوقف كالزوجة والأم والجدة والإخوة والأخوات للأم ، فلا حق لهم في سهمهم الموقوف إلا بعد أيمانهم ، لأنه لما لم يستحقه الميت إلا بيمينه لم يستحقه ورثته إلا بأيمانهم ، فإن حلفوا جميعا استحقوا جميع الموقوف ، وإن حلف بعضهم ، ونكل بعضهم استحق الحالف منهم قدر نصيبه ، ورد نصيب من لم يحلف على الإخوة الثلاثة .
والضرب الثالث : أن يكون وارثه ممن له مدخل في الوقف كموت المجنون عن حمل ولد بعد موته ، فيوقف ما ورثه عن سهم أبيه على يمينه بعد بلوغه ، ويستأنف له وقف سهمه في حق نفسه من أصل الوقف على يمينه بعد بلوغه ، فيصير الموقوف له سهمين : سهم أبيه وسهم نفسه .
[ ص: 98 ] فإذا بلغ ، ففي يمينه وجهان :
أحدهما : يحلف يمينا واحدة على استحقاقه لسهم نفسه ، فيستحق بها سهم أبيه ، وسهم نفسه إذا قيل : إن عمومته لو ورثوه لم يحلفوا ، فإن حلف على استحقاق سهم أبيه استحقه ؟ ولم يستحق سهم نفسه ، لأنه قد يستحق سهم أبيه من ليس من أهل الوقف .
والوجه الثاني : يحلف يمينين ، ويستحق بإحداهما سهم أبيه ، ويستحق بالآخر سهم نفسه ، إذا قيل : إن عمومته لو ورثوه حلفوا .
وإذا كان كذلك ، فله أربعة أحوال :
الأولى : أن يحلف اليمينين فيستحق بهما السهمين .
والحال الثانية : أن ينكل عن اليمينين ، فلا يستحق السهمين .
والحال الثالثة : أن يحلف على حق أبيه ، ولا يحلف على حق نفسه ، فيستحق سهم أبيه ، ولا يستحق سهم نفسه ، ويخرج أن يكون من أهل الوقف .
والحال الرابعة : أن يحلف على حق نفسه ، ولا يحلف على حق أبيه ، فيستحق سهم نفسه ، ويصير من أهل الوقف ، ولا يستحق سهم أبيه ، ويرد على الإخوة الثلاثة .
فصل : فأما المزني ، فكلامه يشتمل على فصلين ، قد تقدم الكلام عليهما :
أحدهما : أن الوقف كالعتق الذي يزول به الملك إلى غير مالك ، فلا يجوز أن يحكم فيه بالشاهد واليمين ، كذلك الوقف لا يحكم فيه بالشاهد واليمين فعلق على هذا الفصل حكمين :
أحدهما : أن جعل الوقف غير مملوك الرقبة ، وهو أحد القولين .
والقول الثاني : هو مملوك الرقبة ، وقد ذكرنا توجيه القولين .
والحكم الثاني : أنه لا يثبت بالشاهد واليمين ، وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيه ، فعلى قول أبي إسحاق المروزي لا يثبت بالشاهد واليمين كالعتق ، موافقة للمزني فيه . وعلى قول أبي العباس يثبت بالشاهد واليمين ، بخلاف العتق ، وإن لم يملكا ، فخالفه المزني لما ذكره من الفرقين بين الوقف والعتق .
والفصل الثاني : أن الإخوة الثلاثة إذا حلفوا ، وصار بأيمانهم وقفا ، وانتقل إلى غيرهم لم يحلف ، ولا يرد سهم من نكل على الحالفين ، لاعترافهم أنه لا حق لهم فيه ، فعلق على هذا الفصل حكمين :
أحدهما : أنه لا يحلف من دخل في الوقف بعد أيمان من تقدمه .
[ ص: 99 ] وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيه بما أغنى عن إعادته .
والحكم الثاني : أنه لا يرد سهم الناكل على الحالف ، وقد ذكرنا وجوه أصحابنا في موضوع المسألة ، وليس بممتنع أن يرد عليهم ، وإن اعترفوا له بالحق ، لأن امتناعه من اليمين امتناع من القبول ، وتركه لقبول الوقف يجعله فيه كالمعدوم في رده على الموجودين من أهله ، والله أعلم .