فصل : فإذا ثبت جواز  التغليظ في الأيمان بالمكان والزمان   فهو مشروع ، وليس بمستبدع ، وهو عند  أبي حنيفة   مستبدع غير مشروع ، وعليه وقع الخلاف .  
والكلام في التغليظ يشتمل على فصلين :  
أحدهما :  جنس ما تغلظ فيه الأيمان من الحقوق      .  
والثاني : صفة التغليظ بمكانه وزمانه .  
فأما الفصل الأول :  فيما تغلظ فيه الأيمان من الحقوق   ، ففيه للفقهاء ثلاثة مذاهب :  
أحدها : وهو مذهب طائفة من حكام  الحجاز   ،  وابن جرير الطبري   من  أهل  العراق       :  
أنها تغلظ في كل قليل وكثير ، لأنه صفة لليمين ، كالبينة التي يستوي حكمها في كل قليل وكثير .  
والثاني : وهو مذهب  مالك   أنها تغلظ فيما يقطع فيه اليد ، ولا تغلظ فيما لا يقطع فيه ،  لقول  عائشة  رضي الله عنها : " لم تكن اليد لتقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه "     . تدل على أن ما تقطع فيه ليس بتافه ، فكان كثيرا .  
والثالث : وهو مذهب  الشافعي   ، أن ما خرج عن الأموال ، ولم يثبت إلا بشاهدين كالحدود والقصاص ، والنكاح ، والطلاق ، فالأيمان فيه مغلظة ، فيما قل منه أو كثر ، وما ثبت بالشاهد والمرأتين من الأموال ، فتغلظ الأيمان في كثيره دون قليله ، وكثيره عشرون دينارا :  لحديث  عبد الرحمن بن عوف   ، حين مر بقوم يحلفون بين البيت والمقام ، فقال : أعلى دم ؟ قالوا : لا . قال : أفعلى عظيم من المال ؟ قالوا : لا . قال : لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام     . فعقل السامعون لقوله من أهل العلم ، أنه أراد بالعظيم من المال عشرين مثقالا ، فصار هذا المقدار أصلا في تغليظ الأيمان .  
فإن قيل : فإذا جعلتم هذا قدرا في التغليظ ، فهلا جعلتموه قدرا في الإقرار إذا أقر بمال عظيم أن لا يقبل منه أقل من عشرين دينارا ، وأنتم تقبلون منه ما قل وكثر ؟ قيل : لأنه في الإقرار متردد الاحتمال بين إرادة القدر ، وإرادة الصفة ، وفي التغليظ لا يحتمل إلا إرادة القدر ، فلذلك جعلناه قدرا في التغليظ ، لأنه لا يحتمل غيره .  
وإذا كان هكذا ، فقد اختلف أصحابنا في تقديره بالعشرين على وجهين :  
أحدهما : لأنها نصاب في الزكاة ، ليكون المقدار معتبرا بأصل مشروع ، فعلى      [ ص: 111 ] هذا إن وجبت اليمين في الدراهم غلظت في مائتي درهم فصاعدا .  
وإن وجبت في الغنم غلظت في أربعين شاة فصاعدا .  
وإن وجبت في البقر غلظت في ثلاثين بقرة فصاعدا .  
وإن وجبت في الإبل غلظت في خمس من الإبل فصاعدا .  
وإن وجبت في الحبوب والثمار غلظت في خمسة أوسق فصاعدا .  
سواء بلغ قيمة ذلك عشرين دينارا أو لم يبلغ ، وإن وجبت في أقل من هذه النصب المزكاة لم يغلظ ، سواء بلغ قيمة ذلك عشرين دينارا أو لم تبلغ .  
والوجه الثاني : أنه قدر بالعشرين : لأنه أصل عن توقيف ، أو اجتهاد لا يعتبر بغيره ، فعلى هذا لا تغلظ في الدراهم والثمار والمواشي إلا أن تبلغ قيمتها عشرين دينارا ، فتغلظ ، وإن لم تبلغ نصابا ، وإن نقصت قيمتها عن العشرين ، لم تغلظ ، وإن بلغت نصابا . فأما الأموال التي لا زكاة في جنسها ، فيصير في تغليظ اليمين فيها أن تبلغ قيمتها عشرين دينارا من غالب دنانير البلد الخالصة من الغش .  
				
						
						
