فصل : وهو ، فهو على ضربين : يمين على النفي تختص بالمدعى عليه ، يمين على الإثبات تختص بالمدعي . فأما يمين النفي ، فتجب على المدعى عليه على حكم الدعوى ، وهي أربعة أضرب : ما تضمنه اليمين من شروط النفي والإثبات
أحدها : أن يدعى عليه دين في ذمته .
والثاني : أن يدعى عليه عين في يده .
والثالث : أن يدعى عليه دين في ذمة أبيه .
والرابع : أن يدعى عليه عين في يد أبيه .
فأما الضرب الأول : وهو أن يدعى عليه دين في ذمته ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن تكون الدعوى مطلقة لم يقترن بها ذكر السبب كقوله : لي عليه ألف درهم ، ولا يذكر سبب استحقاقها ، فهي دعوى صحيحة . ولا يلزم سؤاله عن سببها ، فإن سأله الحاكم كان مخطئا ، ولم تلزمه إبانة السبب ، لأن تنوع الأسباب لا يوجب اختلاف الحقوق ، فتكون يمين المدعى عليه إذا أنكرها على البت ، فيقول : والله ما له علي هذه الألف ، ولا شيء منها بوجه ، ولا سبب .
وقوله : ولا شيء منها ، شرط مستحق في يمينه ، لأنه ربما كان عليه بعضها ، فهو إذا حلف أنها ليست عليه بر في يمينه ، وإن وجب عليه باقيها ، وقوله : " بوجه ولا سبب " تأكيدا فإن أغفله جاز .
ولو قال : والله إنه لا يستحق علي شيئا كان مجزئا ، ولم يلزمه أن يزيد عليه في [ ص: 120 ] يمينه ، والأولى أن يكون يمينه بحسب جوابه في إنكاره .
فإن قال في الإنكار : ليس له علي ما ادعاه من هذه الألف ، ولا شيء منها كان جوابا مقابلا للدعوى ، وحلف على مثل جوابه : والله ما له علي هذا الألف ، ولا شيء منه . وإن قال : لا يستحق علي شيئا كان جوابا كافيا ، وحلف على مثل جوابه : والله ما يستحق علي شيئا ، فإن قال : والله ما له علي شيء كانت معلولة غير مقنعة ، لاحتمال ما له على جسدي شيء ، فإذا قال : لا يستحق علي شيئا انتفى هذا الاحتمال .
والضرب الثاني : أن تكون الدعوى مقترنة بذكر السبب ، فيقول : لي عليه ألف قرض ، أو غصب ، أو ثمن مبيع ، أو قيمة متلف ، أو أرش جناية ، فيكون في الجواب على إنكاره مخيرا بين أن يعم بإنكاره ، فيقول : لا يستحق علي شيئا ، فيكون جوابه أوفى ، وتكون يمينه على البت بحسب جوابه : والله لا يستحق علي شيئا .
فإن أراد الحاكم أن يحلفه : ما اقترض منه ألفا ولا غصبه ألفا - لم يجز ، لأنه قد يجوز أن يكون اقترضها ثم قضاها ، فيحنث في يمينه ، وإن لم يجب عليه ، فهذا أحد خياريه في الإنكار .
والخيار الثاني : أن يقتصر في إنكاره على ذكر السبب ، فيقول : ما اقترضت منه ولا غصبت منه شيئا ، فيقنع منه بهذا الجواب ، ولو قال : ما اقترضت منه ألفا ، ولا غصبته ألفا لم يقنع حتى يقول : ولا شيئا منها ، لجواز أن يكون قد اقترض أو غصب بعضها .
فإذا اقتصر على ذكر السبب ، فقد اختلف أصحابنا في صفة إحلافه على وجهين :
أحدهما : أن الحاكم يحلفه قطعا على العموم ، فيقول : والله إنه لا يستحق علي شيئا احترازا من أن يكون قد غصب أو اقترض ثم قضى .
والوجه الثاني : أنه يحلفه قطعا بالله إنه ما اقترضها ، ولا غصبها ، ولا شيئا منها ، لأن احتمال القضاء قد ارتفع عنها بقوله : ما اقترضت ولا غصبت .