القول في . اللعب بالشطرنج والحمام
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : واللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار ، وإن كرهنا ذلك أخف حالا . " قال المزني : " رحمه الله ، فكيف يحد من شرب قليلا من نبيذ شديد ويجيز شهادته .
قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على فصلين :
أحدهما : في لعب الشطرنج .
والثاني : في اللعب بالحمام .
فأما اللعب بالشطرنج ، فالكلام فيه يشتمل على فصلين :
أحدهما : في إباحتها وحظرها .
والثاني : في عدالة اللاعب بها وجرحه .
فأما إباحتها وحظرها ، فقد اختلف الفقهاء على ثلاثة مذاهب :
أحدهما : وهو مذهب مالك ، أنها حرام .
والثاني : وهو مذهب أبي حنيفة ، أنها مكروهة كراهة تغليظ يوجب المنع ، وإن لم يبلغ مبلغ التحريم .
[ ص: 178 ] والثالث : وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه : أنها ليست محرمة كما قال مالك رضي الله عنه ، ولا بمغلظة الكراهة ، كما قال أبو حنيفة ، ثم قال : وإن كرهنا ذلك ، وأراد به كراهة تنزيه .
واختلف أصحابه فيما تعود كراهته إليه على وجهين :
أحدهما : تعود كراهته إليها لأنه ضرب من اللعب .
والثاني : تعود كراهته إلى ما يحدث عنها من الخلاعة .
واستدل من حظرها وحرمها بما رواه الحسن البصري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اللعب بالشطرنج " .
وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . كل اللعب حرام إلا لعب الرجل بقوسه ، ولعبه بفرسه ، ولعبه مع زوجته ، فعم تحريم اللعب إلا ما استثناه
فكان الشطرنج داخلا في عموم التحريم وخارجا من استثناء الإباحة .
وبما روي عن علي ، عليه السلام مر بقوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ وألقى فيها كفا من تراب فدل تشبيهه لها بالأصنام على تحريمها كالأصنام .
وسئل مالك عنها ، فقال : أحق هي ؟ قيل : لا . قال : فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون .
واستدل من أباحها وحللها : بانتشارها بين الصحابة والتابعين إقرارا عليها ، وعملا بها ، فروى الخطيب مولى سليمان بن يسار قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج ، فيسلم علينا ولا ينهانا .
وروى الضحاك بن مزاحم قال : رأيت الحسن بن علي ، عليه السلام مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال : ادفع ذا ودع ذا .
وروى أبو راشد قال : رأيت أبا هريرة يدعو غلاما ، فيلاعبه بالشطرنج .
وروى عبد الله بن عباس : أنه كان يجيز الشطرنج ويلعب بها .
[ ص: 179 ] وروى عبد الله بن الزبير أنه كان يلعب بالشطرنج .
فهؤلاء خمسة من الصحابة أقروا عليها ولعبوا بها .
وأما التابعون : فروي عن سعيد بن المسيب أنه كان يلعب بها .
وروى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه كان يلعب بها استدبارا . قال المزني : فقلت للشافعي : فكيف كان يلعب بها استدبارا ؟ فقال : كان يوليها ظهره ويقول للغلام : بماذا دفع ؟ فيقول : بكذا . فيقول : ائت بكذا .
وروى الزهري عن علي بن الحسين أنه كان يلاعب أهله بالشطرنج .
وروى أبو لؤلؤة قال : رأيت الشعبي يلعب بالشطرنج مع الغرماء .
وروى راشد بن كريب قال : رأيت عكرمة مولى ابن عباس أقيم قائما في لعب الشطرنج .
وروي أن محمد بن سيرين كان يلعب بالشطرنج وقال : هي لب الرجال .
وإذا اشتهر هذا عمن ذكرنا من الصحابة والتابعين وقد عمل به معهم من لا يحصى عددهم من علماء الأمصار وفضلائهم ، من حذفنا ذكرهم إيجازا ، خرج من حكم الحظر ، وكان بالإجماع أشبه .
وليس إنكار علي ، عليه السلام لها لأجل حظرها . وقيل : لأنهم سمعوا الأذان وهم متشاغلون عنها . وقيل : لأنهم كانوا يستخفون في الكلام عليها .
وما رواه الحسن مرسل وليس بصحيح ، ولا يمنع أن يكون قياسا على ما استثناه الرسول من اللعب : لأن فيها تنبيها على مكائد الحرب ووجوه الحزم وتدبير الجيوش . وما بعث على هذا ، إن لم يكن ندبا مستحبا فأحرى أن لا يكون حظرا محرما .