[ القول في ] . رجوع شهود الطلاق
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كان هذا في طلاق ثلاث أغرمتهم للزوج صداق مثلها دخل بها أو لم يدخل بها ، لأنهم حرموها عليه ، فلم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها ، ولا ألتفت إلى ما أعطاها ، ( قال المزني ) رحمه الله : ينبغي أن يكون هذا غلطا [ ص: 261 ] من غير الشافعي ومعنى قوله المعروف أن يطرح عنهم ذلك بنصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها " .
قال الماوردي : قد مضى الكلام في رجوع الشهود عما اختص بالأبدان من الأقسام الثلاثة وهذه المسألة هي القسم الثاني في رجوعهم عما اختص بالأحكام وهو شيئان : الطلاق والعتق .
فأما الطلاق : فهو أن ، فهي ممنوعة من الزوج بعد نفوذ الحكم بطلاقها وعلى الشهود مهر مثلها للزوج . يشهدوا على رجل بطلاق الثلاث ، فيفرق الحاكم بينهما ، ثم يرجع الشهود
وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا ضمان على الشهود .
استدلالا : بأنه ليس لخروج البضع عن ملك الزوج قيمة ، ولو كان مقوما بمهر المثل في ملكه ، لوجب إذا طلق زوجته في مرض موتها ، أن يكون مهر مثلها محسوبا من ثلثه ، كما لو أعتق عبده في مرضه ، ولوجب إذا طلقها وقد أحاط دينه بتركته أن لا يقع طلاقه ، كما لم ينفذ عتقه وهذا مدفوع فدل على أنه لا قيمة له في خروجه من ملكه كما لا قيمة له فيما استهلكه عليه من غير ذي قيمة .
والدليل على وجوب ضمانه ، أن عقد النكاح بعد الدخول أقوى وقبله أضعف ، لارتفاع العقد بالردة قبل الدخول ، ووقوفه على انقضاء العدة بعد الدخول ، ووافقونا على تضمين الشهود إذا شهدوا بالطلاق قبل الدخول ، فكان أولى أن يضمنوا إذا شهدوا به بعد الدخول .
وتحرير هذا الاستدلال قياسا ، أنها شهادة بطلاق فرق بين الزوجين فاقتضى أن يكون الرجوع عنها موجبا للضمان كالشهادة قبل الدخول .
فإن قيل : فالمال قبل الدخول معرض للسقوط بردتها ، وبالفسخ إذا كان من قبلها ، وهو بعد الدخول مستقر لا يسقط بحال ، فإذا شهدوا بالطلاق قبل الدخول فقد أثبتوا به صفة المعرض للسقوط فضمنوا ، وإذا شهدوا به بعد الدخول لم يكن معه معرضا للسقوط ، فلم يضمنوا .
قيل : عكس هذا أولى ، لأن الصداق واجب بالعقد ، فإذا شهدوا بالطلاق قبل الدخول فقد أسقطوا بها نصف الصداق ، وإذا شهدوا به بعد الدخول لم يسقطوا به شيئا من الصداق ، فكان ضمانهم بعد الدخول أقوى من ضمانهم قبله .
فإن قيل : فهو بعد الدخول قد استوفى حقه من الاستمتاع ، فلم يضمنوا ، وقبل الدخول لم يستوفه ، فضمنوا .
[ ص: 262 ] قيل : حقه في الاستمتاع باق ببقاء النكاح ، وقد أبطلوه بشهادتهم في الحالتين فضمنوه فيها .
ودليل ثان : أن الإحالة بين الزوج وبضع امرأته إذا لم يفتقر إلى خلو العقد من مهر ، فهو موجب لضمان المهر ، كما لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الصغيرة ضمنت الكبيرة مهر الصغيرة .
وقد وافقوا على ذلك إذا قصدت الكبيرة تحريم الصغيرة .
فإن قيل : فبفعل الكبيرة قد حرمت عليه نفسها ، ولا يلزمها مهرها .
قيل : لأنه لو لزمها مهرها ، لأفضى إلى خلو العقد من مهرها ، ولا يفضي هذا إلى خلو عقد الصغيرة من مهرها ، فلذلك ضمنت الكبيرة مهر الصغيرة ، ولم تضمن مهر نفسها .
فإن قيل بعد هذا : لو قتلتها لضمنت ديتها ، ولا تضمن مهرها .
قيل : ضمان المنافع تسقط بضمان أعيانها ، فأوجب ضمان ديتها سقوط مهرها .
ودليل ثالث : أنه لما كان لدخول البضع في ملك الزوج قيمة وجب أن يكون لخروجه عن ملكه قيمة اعتبارا بسائر الأموال ، فإن منعوا أن يكون لخروجه عن ملكه قيمة بما ذكروه دللنا عليه بجواز الخلع على البضع ، فإنه يملك به العوض ، ولا يجوز أن يملك العوض في مقابلة ما ليس له عوض .
ثم نجيب عما استدلوا به من أنه لا قيمة لخروجه عن ملكه .
وأما قولهم أنه لو طلقها في مرضه لم يكن من ثلاثة ، ولو كانت مالا لكانت من ثلثه لعتقه ، فهو أننا نعتبر ما كان منتقلا إلى ورثته بعد موته ، والزوجة لا تنتقل إليهم بعد الموت .
فلذلك لم تعتبر من الثلث ، وإن كان بضعها ملكا له كأم الولد لو أعتقها في مرضه لم تكن من ثلثه وإن كانت ملكا ، لأنها لا تنتقل بعد الموت إلى ورثته ، وهكذا لو طلقها في مرضه وقد أحاط دينه بتركته بعد طلاقه وإن لم ينفذ عتقه ، لأنها لا تنتقل إلى الغرماء كعتق أم الولد ، وخالف عتق العبد القن الذي يصرف في ديونه لو لم يعتق