فصل : فأما إذا كان  الحكم مفضيا إلى الاستهلاك والإتلاف ، كالقصاص   في نفس أو طرف ، فهو موجب لضمان الدية دون القود ، لأنه خرج عن حكم العمد إلى الخطأ والحكم به تم بالشهود والحاكم والمشهود له ، فأما الشهود فلا ضمان عليهم لظهور رقهم ، فلا يمنع وجود ذلك فيهم من أن يكونوا صادقين في شهادتهم ، وخالف حال الشهود إذا رجعوا لاعترافهم بكذبهم ، فلذلك ضمنوا بالرجوع ولم يضمنوا بالفسق والرق ، وأما المشهود له فلا ضمان عليه ، لأنه لا يمنع فسق شهوده من استحقاقه لما شهدوا به .  
وإذا سقط الضمان عن هؤلاء ، وجب الضمان على الحاكم .  
وقال  أبو حنيفة      : إن الضمان على المزكين للشهود عند الحاكم دون الحاكم ، لأنهم ألجأوه إلى الحكم بهذه الشهادة .  
وهذا فاسد ، لأن المزكين شهدوا بالعدالة دون القتل ، فلم يجز أن يضمنوا ما لم يشهدوا به من القتل ووجب الضمان على من حكم بالقتل ، لأنه قد تعين منه في فعله .  
وإذا كان كذلك وجب ضمان الدية على الحاكم ، سواء تقدم بالقصاص إلى ولي الدم أو إلى غيره .  
 [ ص: 276 ] وقال  أبو سعيد الإصطخري      : إن تقدم به الحاكم إلى ولي الدم كان ضمان الدية على الولي ، وإن تقدم به إلى غيره كان الضمان على الحاكم .  
وهذا خطأ من وجهين :  
أحدهما : أنه عن أمره في الحالين .  
والثاني : أنه لما لم يضمنه مباشرة إذا كان ولي الدم مع عدم استحقاقه ، فأولى أن لا يضمنه وليه مع جواز استحقاقه .  
فإذا تقرر ضمان الدية على الحاكم لم يضمنها في ماله ، وفي محل ضمانها وجهان :  
أحدهما : على عاقلته ، لأنها دية خطأ به وتكون كفارة القتل في ماله .  
والقول الثاني : يضمنها في بيت مال المسلمين لنيابته عنهم ، وفي الكفارة على هذا وجهان :  
أحدهما : في بيت المال كالدية .  
والوجه الثاني : في ماله ، لأن الكفارة مختصة بالمكفر . والله أعلم بالصواب .  
				
						
						
