فصل : ويتفرع على هذا أن ، قبلت شهادتهما ، لأن الواجب بالشهادة عتق أحدهما ، فلما جاز تعيينه بالقرعة ، جاز تعيينه بشهادة الورثة [ ص: 283 ] لانتفاء التهمة وعتق غانم ورق سالم بغير قرعة ، كما جاز أن يكون كذلك بالقرعة ، ويتفرع على كل هذا ، إذا شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو الثلث ، وشهد وارثان أنه رجع عن عتق سالم وأوصى بعتق غانم وهو الثلث ، وشهد أجنبيان أنه رجع عن عتق أحدهما وأوصى بعتق نافع بطلت الوصية بعتق سالم بشهادة الوارثين ، ولم تبطل في غانم بشهادة الأجنبيين ، لأنهما أطلقا الرجوع ولم يعيناه في غانم وثبتت بهما الوصية بعتق نافع ، وقد ثبتت بشهادة الوارثين الوصية بعتق غانم وإبطال الوصية بعتق سالم ، فيرق سالم ، ويقرع بين غانم ونافع ويعتق منهما من قرع ويرق الآخر . يشهد أجنبيان بعتق سالم وغانم وقيمة كل واحد منهما الثلث . ويشهد وارثان أنه رجع عن عتق سالم إلى عتق غانم
فإن شهد الوارثان برجوعه عن عتق نافع ، جاز وتعينت الوصية بعتق غانم .
ولو ، لم يكن للشهادة بالرجوع تأثير ، لأنه لو لم يرجع أقرع بينهما ، والرجوع إذا لم يعين يقتضي الإقراع ، فبطل تأثير الشهادة بالرجوع . شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم ، وشهد وارثان أنه أوصى بعتق غانم ، وشهد أجنبيان أنه رجع عن عتق أحدهما
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ، عتق الأول بغير قرعة للجر إلى أنفسهما ، وأبطلت حقهما من الآخر بالإقرار . شهد أجنبيان أنه أعتق عبدا هو الثلث وصية ، وشهد وارثان أنه رجع فيه وأعتق عبدا هو السدس
قال الماوردي : قد مضى الكلام في قبول شهادة الورثة بالرجوع في الوصية إذا لم يتهما ، وردها إذا اتهموا ، وصورة مسألتنا هذه أن يشهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وقيمته الثلث ، ويشهد وارثان أنه رجع عن الوصية بعتق سالم وأعتق غانما وقيمته السدس ، فقد صارا بشهادتهما متهمين ، لأنهما جرا بها بسدس التركة إلى أنفسهما ، فتوجهت التهمة إليهما في نصف الرجوع وهو السدس .
وللشافعي في تبعيض الشهادة إذا ردت بالتهمة في بعض المشهود فيه ، هل يوجب ردها في باقيه ؟ قولان .
كشاهدين شهدا على رجل أنه قذف أمهما وأجنبية ، ردت شهادتهما في قذف أمهما للتهمة وهل ترد في قذف الأجنبية ؟ على قولين :
فاختلف أصحابنا في تخريج هذين القولين في هذا الموضع .
فذهب أبو العباس بن سريج وجمهور البغداديين إلى أن تبعيض الشهادة في هذه المسألة على قولين :
أحدهما : أنها ترد في الجميع ولا تبعيض على ما نص عليه الشافعي في هذا ، الموضع ، فعلى هذا تبطل شهادة الوارثين في كل الرجوع ، ويعتق في التركة سالم [ ص: 284 ] بشهادة الأجنبيين وهو الثلث ، ويعتق غانم على الوارثين بإقرارهما .
والقول الثاني : هاهنا كما بعضها تبعيض الشهادة الشافعي رضي الله عنه في القذف على أحد القولين ، فعلى هذا ترد شهادة الوارثين بالرجوع في نصف سالم " وتقبل في الرجوع بنصفه " ويعتق نصفه بالوصية بشهادة الأجنبيين ، ويرق نصفه بشهادة الوارثين ، ويعتق جميع غانم بشهادة الوارثين وقد استوعب ثلث التركة بالشهادتين .
وذهب جمهور البصريين من أصحابنا إلى المنع من تبعيض الشهادة في هذا الموضع ، وإن كان تبعيضها في الشهادة بالقذف على قولين ، وجعلوا الفرق بينهما معتبرا بأن التهمة إذا توجهت إلى صفة الشاهد ردت ، ولم يجز تبعيضها كالعداوة ، وإذا توجهت إلى صفة المشهود فيه جاز تبعيضها على أحد القولين ، والتهمة هاهنا في صفة الشاهد دون المشهود فيه ، فردت جميعها ولم تبعض .
ويتفرع على هذا ، إذا ، قبلت شهادة الوارثين في الرجوع عن الأول وفي عتق الثاني في الثلث وتنتفي عنهما التهمة في الرجوع بالزيادة لأنها مردودة بالشرع ، فقبلت شهادتهما في الرجوع بالكل . شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق عبد قيمته نصف التركة ، وشهد وارثان أنه رجع عن الوصية بعتقه وأعتق عبدا قيمته ثلث التركة
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يقولا أنه رجع في الأول ، أقرعت بينهما حتى يستوظف الثلث ، وهو قول أكثر المفتين إن شهادة الأجنبيين والورثة سواء ما لم يجر إلى أنفسهما " .
قال الماوردي : وقد مضى الكلام في أن مقبولة كالأجانب إذا لم يجروا بهما نفعا ، فإذا شهد الأجانب بعتق عبد قيمته الثلث ، وشهد الورثة بعتق عبد قيمته السدس ، ولم يقولوا : إنه رجع عن عتق صاحب الثلث ، فالشهادتان ثابتتان بعتق عبدين يستوعبان نصف التركة ، فيعتبر في تحرير العبد حال الشهادتين ، فإنهما على أربعة أضرب : شهادة الورثة بالعتق والوصية
أحدها : أن تكون شهادة الأجنبيين لصاحب الثلث بعتق بات في الحياة ، وشهادة الورثة لصاحب السدس بالوصية بعتقه بعد الوفاة ، فيستوعب الثلث بالعتق البات في صاحب الثلث ، وتبطل الوصية بعتق صاحب السدس لتقدم الناجز في الحياة على الوصية بعد الوفاة .
والضرب الثاني : أن تكون شهادة الأجنبيين لصاحب الثلث بالوصية بعتقه بعد الوفاة ، وشهادة الوارثين لصاحب السدس بعتقه بات في الحياة فيعتق [ جميع ] ، صاحب [ ص: 285 ] السدس ، ويعتق من صاحب الثلث نصفه استكمالا للثلث ، ويرق باقيه وهو النصف .
والضرب الثالث : أن تكون الشهادتان بالوصية بعتق العبدين بعد الوفاة ، فيستوي فيهما من تقدمت فيه الوصية ومن تأخرت ، ويقرع بينهما ليستوظف الثلث من قرع منهما ، فإن قرع صاحب الثلث ، عتق جميعه ورق جميع الآخر ، وإن قرع صاحب السدس ، عتق جميعه وبعض صاحب الثلث استكمالا للثلث ، ورق باقيه وهو نصفه .
والضرب الرابع : أن تكون الشهادتان بالعتق البات في الحياة ، فهو على ثلاثة أضرب :
أحدها : أن تدل الشهادتان على وقوع عتقهما في حالة واحدة فيقرع بينهما فيتحرر بالقرعة ليستكمل الثلث بعتق القارع ورق المقروع على ما بيناه .
والضرب الثاني : أن تدل الشهادتان على عتق أحدهما قبل الآخر ، ويعلم بها المتقدم من المتأخر فيستوظف الثلث بالأول ، فإن كان الأول صاحب الثلث عتق جميعه ورق صاحب السدس ، وإن كان الأول هو صاحب السدس ، عتق جميعه ونصف صاحب الثلث ، استكمالا للثلث ويرق نصفه الباقي .
والضرب الثالث : أن تدل الشهادتان على تقدم أحدهما على الآخر ، ولا تدل على المتقدم من المتأخر ، فقد ذكرنا فيها قولين :
أحدهما : يقرع بينهما ليستوظف الثلث بعتق القارع ورق المقروع على ما بيناه .
والقول الثاني : أنه يعتق من كل واحد منهما بقدر ما احتمله الثلث بغير قرعة ، فيعتق من صاحب الثلث ثلاثة أرباعه ، ويعتق من صاحب السدس ربعه .
وبيانه : أن ننزلها تنزيلين :
أحدهما : أن يكون الأول صاحب الثلث فيعتق جميعه ويرق صاحب السدس كله .
والثاني : أن يكون الأول صاحب السدس فيعتق جميعه ونصف صاحب الثلث ، فيتحرر في التنزيلين أنه عتق نصف صاحب الثلث يقينا .
وتعارض التنزيلان في صاحب السدس ونصف صاحب الثلث وهما في القيمة متساويان فاقتضى أن يكون السدس الباقي من الثلث بينهما نصفين ، فيعتق من صاحب الثلث نصفه ومن صاحب السدس نصفه ، فيصير النصف من صاحب الثلث ثلاثة أرباعه ، ومن صاحب السدس نصفه .
ومثاله : أن يكون صاحب الثلث قيمته عشرة دنانير ، وقيمة صاحب السدس خمسة [ ص: 286 ] دنانير ، وقد خلف المعتق سواهما خمسة عشرة دينارا ، فتصير التركة مع قيمتهما ثلاثين دينارا ، ثلثها عشرة دنانير ، فيعتق من صاحب الثلث ثلاثة أرباعه ، سبعة دنانير ونصف ، ويعتق من صاحب السدس نصفه بدينارين ونصف ، فتصير قيمة المعتق منهما عشرة دنانير هي الثلث ، ويبقى للورثة ربع صاحب الثلث بدينارين ونصف ونصف صاحب السدس بدينارين ونصف يضافان إلى خمسة عشرة دينارا يصير عشرين دينارا هي مثلا ما خرج بالعتق .