مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ( ولو ادعى أنه نكح امرأة ، لم أقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها ، فإن حلفت برئت ، وإن نكلت ، حلف وقضي له أنها زوجة له " .
قال الماوردي : وأصل هذا أن لا يجوز للحاكم أن يسمعها ، ويسأل الخصم عنها إلا في الوصايا لجواز الدعوى المجهولة ، فأما غير الوصايا التي تمنع الجهالة منها ، فلا يصح ادعاؤه مجهولا حتى يستوفي المدعي ما يمنع من جهالة الدعوى ، لأن سماع الدعوى يكون للسؤال عنها ، والحكم بها ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بمجهول ، فلم يجز أن يسمع الدعوى بمجهول ، فإذا كان هذا أصلا ، وكانت الدعوى معلومة ، تعلق الكلام بالكشف عن سببها ، وللمدعى عليه ثلاثة أقسام : الوصية بالمجهول
قسم لا يجب الكشف عن سببه .
وقسم يجب الكشف عن سببه .
[ ص: 310 ] وقسم مختلف في وجوب الكشف عن سببه .
[ ] قسم لا يجب الكشف عن سببه
فأما الذي لا يجب الكشف عن سببه : فالأملاك المدعاة من عين ، أو دين ، فالعين أن يدعي دارا أو ثوبا أو عبدا معلوما بصفة أو تعيين ، والدين أن يقول عليه ألف درهم بصفتها فلا يلزم أن يسأله عن سبب ملكه ، لما ادعاه ، ولو سأله لم يجب على المدعي ذكر سببه .
وإنما لم يجب الكشف عن سبب الملك ، لأن أسباب الملك تكون من جهات شتى بكثرة عددها ، لأنه قد يملك بالميراث ، والابتياع ، وبالهبة ، والقيمة ، وبالوصية ، وبغير ذلك من الوجوه كالإجباء ، وحدوث النتاج ، والثمار ، فسقط الكشف عن سببها لكثرتها واختلافها .
[ قسم يجب الكشف عن سببه ] .
وأما القسم الذي يجب الكشف عن سببه ، فدعوى القذف والقتل ، فإن ادعى قتلا قيل أعمد أم خطأ ؟
فإن قال : عمد سئل عن صفة العمد ، وإن ادعى قذفا سئل عن لفظ القذف ، لأن القتل يختلف حكم عمده ، وخطئه ، وقد يدعى من العمد ما لا يكون عمدا ، ولما في العمد من اختلاف أسبابه ، وأحكامه وفي الحكم به قبل السؤال فوات ما لا يمكن استدراكه ، والقذف قد تختلف ألفاظه وأحكامه فافتقر ذلك إلى كشف السبب ، وصفته ليزول عن الاحتمال وصار كالشاهد إذا شهد بفسق مجروح ، أو نجاسة ماء لم يحكم بنجاسته حتى يذكر سبب ما صار به المجروح ، فاسقا ، والماء نجسا ، ، للاختلاف في التفسيق والتنجيس .