فصل : وإذا ، فإن لم يكن لهم بينة ، جعلت الدار بينهم أرباعا باليد والتحالف ، وإن كانت لهم بينة بما ادعوه جعلت بينهم أرباعا بالبينة واليد من غير تحالف ، لأن كل واحد منهم قد أقام بينة داخل ، فيما بيده ، وبينة خارج ، فيما بيد غيره ، فحكم له ببينة الداخل دون الخارج ، فصار الحكم فيها مع وجود البينة وعدمها سواء في القدر وإنما يختلفان في التحالف ، ولو كانت بحالها في الدعوى ، والدار في يد خامس ، ليس لواحد منهم عليها يد ، وأقام كل واحد منهم البينة على ما ادعاه ، خلص لمدعي الكل الثلث الزائد على الثلثين ، لأنه قد أقام عليه بينة لم تعارضها بينة غيره ، وتعارضت البينات في الثلثين الباقيين ، فكان على الأقاويل الثلاثة في تعارض البينتين : كانت دار في يد أربعة تقارعوها ، فادعى أحدهم جميعها ، وادعى الثاني ثلثيها ، وادعى الثالث نصفها ، وادعى الرابع ثلثها
أحدها : إسقاطهما بالتعارض ، والرجوع إلى صاحب اليد ، فإن ادعاها لنفسه حكم بها له بعد يمينه ، وفي قدر ما يحكم له فيها قولان :
أحدهما : يحكم له أو بثلثيها ، إذ قيل : إن البينة إذا ردت في بعض الشهادة لم ترد في باقيها ، لأن البينة بالكل قد ردت في الثلثين فلم ترد في الثلث الباقي .
والقول الثاني : يحكم له بجميع الدار ، إذا قيل : إن البينة إذا ردت في بعض الشهادة ، ردت في جميعها ، لأن البينة بالكل لما ردت في الثلثين ردت في الكل ، وإن لم يدعها صاحب اليد وأقر بها لبعضهم ، أو لجميعهم حملوا فيه على إقراره وفي إحلافه لهم قولان .
والقول الثاني : أن يوجب القرعة دون الإسقاط ، قيل هذا لا يعارض في الثلث الخالص لصاحب الكل ، وترتيب القرعة في الثلثين ثلاث مراتب : تعارض البينات
فالرتبة الأولى : أن تقرع في السدس الذي بين النصف والثلثين بين مدعي الكل ، ومدعي الثلثين ، لأنه قد تعارضت فيه بينتاهما ، ولم يتعارض فيه بينة غيرهما ، فمن قرعت فيه بينته ، حكم له به .
والرتبة الثانية : أن تقرع في السدس الذي بين الثلث ، والنصف بين ثلثه مدعي الكل ، ومدعي الثلثين ، ومدعي النصف ، لأن بينة صاحب الثلث لم تعارضهم فيه ، وتعارضت فيه بينة الثلاثة فمن قرع منهم حكم به له .
والرتبة الثالثة : الإقراع في الثلث الباقي بين الأربعة ، لأن بينات جميعهم قد [ ص: 378 ] تعارضت ويحكم به لمن قرع منهم .
والقول الثالث : أن تعارض البينات ، يوجب استعمالها بالقسمة دون القرعة ، فعلى هذا يقسم الثلثين بعد الثلث الخالص لصاحب الكل بين الأربعة الذين تعارضت فيهم البينة على ستة وثلاثين سهما ، هي مضروب ثلاثة في ستة في اثنين ، وترتبت القسمة فيه ثلاث مراتب ، كما ترتبت القرعة فيه ثلاث مراتب :
فالرتبة الأولى : قسمة السدس الذي بين النصف والثلثين ، وهو ستة من ستة وثلاثين ، تقسم بين صاحب الكل ، وصاحب الثلثين ، لأنه قد تعارضت فيه بينتاهما ، ولم تتعارض فيه بينة غيرهما ، فيكون لكل واحد منهما نصفه ثلاثة أسهم ، وقد صار إلى صاحب الكل بالثلث اثنا عشر سهما ، فإذا انضم إليها هذه الثلاثة ، صار له في الحالتين خمسة عشر سهما ، ولصاحب الثلثين ثلاثة أسهم ، ثم يقسم السدس الذي بين الثلث والنصف أثلاثا بين صاحب الكل ، وصاحب الثلثين ، وصاحب النصف ، لأنه قد تعارضت فيه بيناتهم ، ولم تتعارض فيه بينة صاحب الثلث ، فيكون لكل واحد من الثلاثة سهمان من الستة ، فإذا ضمها صاحب الكل إلى ما حصل له في الحالتين ، وهو خمسة عشر سهما ، صار له سبعة عشر سهما ، وإذا ضمها صاحب الثلثين إلى ما حصل له في الحالة الواحدة ، وهو ثلاثة أسهم صار له خمسة أسهم ، ولم يحصل لصاحب النصف إلا هذين السهمين .
والرتبة الثالثة : قسم الثلث الباقي ، وهو اثنا عشر سهما بين الأربعة كلهم ، لأنه قد اجتمع فيه تعارض بيناتهم كلهم ، فيكون لكل واحد منهم ثلاثة أسهم ، فإذا ضمها صاحب الكل إلى ما صار له ، وهو سبعة عشر سهما ، صار له عشرون سهما ، وإذا ضمها صاحب الثلثين إلى ما صار له ، وهو خمسة أسهم صار له ثمانية أسهم ، وإذا ضمها صاحب النصف إلى ما صار له ، وهو سهمان صار له خمسة أسهم ، وينفرد صاحب الثلث بثلاثة أسهم ليس له غيرها ، فإذا جمعت سهامهم ، وهي عشرون سهما لصاحب الكل ، وثمانية أسهم لصاحب الثلثين ، وخمسة أسهم لصاحب النصف ، وثلاثة أسهم لصاحب الثلث ، استوعبت ستة وثلاثين ، وقسمت عليها الدار بينهم .