مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن قال قائل قيل له أتتزوج بعض امرأة كما تشتري بعض عبد أو تكاتب المرأة كما تكاتب العبد أو يهب امرأته كما يهب عبده فيكون الموهوب له مكانه ؟ قال : لا ، قيل : فما أعلم شيئا أبعد من العبد مما قسته عليه " . لا تكون نفس واحدة بعضها عبدا وبعضها حرا كما لا تكون امرأة بعضها طالقا وبعضها غير طالق
قال الماوردي : قصد الشافعي بهذا أبا حنيفة ، وابن أبي ليلى في وجوب السعاية ، حين منعا أن تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك ؛ لأن من منع من اجتماع الحرية والرق ، أوجب السعاية ومن جوز اجتماعهما لم يوجبها ، والشافعي ومالك لا يمنعان من اجتماعهما ؛ فلذلك لم يوجبا السعاية وأبو حنيفة وابن أبي ليلى منعا من اجتماعهما فلذلك أوجبا السعاية وكان من دليلهم على المنع من اجتماعهما شيئان : أورد الشافعي أحدهما وانفصل عنه ، وأعرض عن الآخر ؛ لأنه أضعف منه . فأما الذي أورده الشافعي : إن قالوا : لا يجوز أن تكون نفس واحدة بعضها حر ، وبعضها رق ، لتنافي أحكام الحرية والرق ، كما لا يجوز أن تكون امرأة واحدة بعضها طالق ، وبعضها غير طالق ، لتنافي أحكام الزوجية والطلاق . فانفصل الشافعي عنه بالفرق المانع من الجمع بين الزوجة والعبد من وجهين :
أحدهما : أن يجوز لأن الاشتراك في العبد بأن يملكه جماعة والاشتراك في الزوجة بأن يتزوجها جماعة ، لا يجوز لأن النكاح لا يجوز أن يتبعض ، فلذلك جاز أن يكون العبد بعضه حر وبعضه مملوك ؛ لأن رقه يتبعض في ملكيته فيتبعض في أحكامه ، ولم يجز أن تكون الزوجة الواحدة بعضها طالق ، وبعضها غير طالق ؛ لأن نكاحها لا يتبعض في الأزواج ، فلم يجز أن يتبعض في أحكامه . والفرق الثاني : أن العبد مملوك يجوز أن يباع ويورث ويوهب ؛ لأن المقصود منه الملك ، والملك يجوز أن يتبعض ، والزوجة غير مملوكة ، لا يجوز أن تباع ولا توهب ولا تورث لأن المقصود منها الاستمتاع ، والاستمتاع لا يجوز أن يتبعض . الرق يجوز أن يتبعض ،
وأما الثاني : من استدلالهم الذي أعرض عنه الشافعي ، أن قالوا : الإيمان أصل للحرية ، والكفر أصل للرق ، فلما لم يجز أن يجتمع الإيمان والكفر في النفس الواحدة ، لم يجز أن تجتمع الحرية والرق في النفس الواحدة . وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه ليس الكفر موجبا للرق ؛ لأنه قد يكون الكافر حرا ، ولا الإيمان موجبا للحرية ؛ لأنه قد يكون المؤمن مسترقا ، وإنما كانا سببا لهما يزولان مع بقائهما . والثاني : أنه لما جاز أن يطرأ الإيمان على رق نابت ، ولم يجز أن يطرأ الإيمان [ ص: 26 ] على كفر ثابت لم يجز أن يجتمع الإيمان والكفر ، وجاز أن يجتمع الحرية والرق . والله أعلم .