مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " فإذا فدخل فهذا كله تدبير يخرج من الثلث " . قال الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت عتيق أو محرر أو حر بعد موتي أو متى مت أو متى دخلت الدار فأنت حر بعد موتي
قال الماوردي : وكلامه في هذه المسألة يشتمل على فصلين :
أحدهما : فيما يصير به مدبرا .
والثاني : فيما يكون في التركة معتبرا .
فأما الفصل الأول : في : الألفاظ التي يكون بها مدبرا
فألفاظ التدبير على ثلاثة أضرب : صريح ، وكناية ، ومختلف فيه ، هل هو صريح ، أو كناية .
فأما الصريح : فهو أو أنت حر بعد موتي ؛ لأنها ألفاظ لا احتمال فيها ، ولا فرق بين أن يعلقه بالموت ، أو بعد الموت ، إذا لم يكن بينه وبين الموت فاصل ؛ لأنه في الحالين واقع بعد الموت . قوله : إذا مت فأنت حر ، أو أنت حر بموتي ،
وأما الكناية : فهو أن يقول : إذا مت فأنت حر ، أو مسيب أو مخلى ، أو مالك لنفسك ، أو لا سبيل لأحد عليك إلى نظائر هذه الألفاظ المحتملة .
فإن أراد بها العتق صار مدبرا ، وإن لم يرد بها العتق لم يكن مدبرا ، واعتبار الإرادة أن يكون مع لفظه فإن تجرد اللفظ عن الإرادة ثم أراده بعد انقضاء اللفظ ، لم يصر مدبرا ؛ لأن انفصال النية عن الكناية مبطل لحكم الكناية ، ويكون السيد هو المسئول عن إرادته . هل أردت به العتق ، أو لم ترد ، ولا يسأل هل أردت به التدبير ، أو لم ترد ؛ لأنه لما علقه بالموت توجه إلى التدبير ولم يتوجه إلى العتق الناجز ، ولكن لو أطلق هذه الألفاظ ولم يعلقها بالموت جاز أن يريد بها العتق الناجز وجاز أن يريد [ ص: 104 ] بها التدبير بعد الموت وجاز ألا يريد بها واحدا منهما ، فيرجع إلى إرادته فما ذكره فيها من شيء كان قوله فيه مقبولا فإن قال السيد : أردت به التدبير ، وقال العبد : بل أردت به العتق الناجز ، كان له إحلاف سيده . ولو قال السيد : لم أرد به التدبير ، وقال العبد : بل أردت به التدبير لم يكن له إحلاف سيده ؛ لأن التدبير ليس بلازم والعتق الناجز لازم .
وأما فهو لفظ التدبير أن يقول لعبده : أنت مدبر . فالذي نص عليه المختلف فيه : هل هو صريح ، أو كناية ، الشافعي أنه يكون صريحا لا يرجع فيه إلى إرادته ، ويعتق عليه بموته .
وقال في الكناية : إذا قال لعبده قد كاتبتك على كذا لم يكن صريحا في عتقه بالأداء ، حتى يقول : فإذا أديت إلي آخرها فأنت حر .
فاختلف أصحابنا في فمنهم من جمع بينهما وخرجهما على قولين : لفظ التدبير والكتابة ،
أحدهما : أنهما صريحان على ما نص عليه في التدبير .
والثاني : أنهما كنايتان على ما نص عليه في الكتابة .
ومنهم من قال : التدبير صريح ، والكناية على قولين ، ومنهم من قال التدبير صريح ، والكتابة كناية لوقوع الفصل بينهما من وجهين :
أحدهما : أن لفظ التدبير مشهور في الخاصة والعامة ، والكناية يعرفها الخاصة دون العامة .
والثاني : أن الكناية مترددة بين صريحين من عتق ومكاتبة . والتدبير ليس له صريح سواه ، وإذا كان التدبير صريحا ثبت حكمه في كل من تلفظ به في عبده ، سواء عرف حكمه أو لم يعرف كصريح العتق والطلاق .
فإن فليس بمدبر ما لم يدخل الدار فإذا دخلها في حياة سيده صار مدبرا ، يعتق بالموت ، ولو دخلها بعد موت سيده ، لم يعتق ؛ لأنه لا يصح التدبير بعد الموت ، لفوات الصفة بالموت . فإن علق تدبيره بصفة فقال : إن دخلت الدار فأنت مدبر صار مدبرا بدفع جميعها ، ولو دفعها إلا يسيرا لم يصر مدبرا ، ولو قال له : إذا دفعت إلي عشرة دنانير فأنت مدبر كان تدبيره معتبرا بقراءة جميع القرآن . فلو قرأه إلا آية منه لم يصر مدبرا . قال : إذا قرأت القرآن فأنت مدبر
ولو قال : إذا قرأت قرآنا صار مدبرا بقراءة آية منه ؛ لأن دخول الألف واللام توجب استيعاب الجنس ، وحذفهما لا يوجبه ، ولو علق تدبيره بصفتين ثبت التدبير بوجودهما ، ولم يثبت بوجود أحدهما ، ولو علقه بعشر صفات لم يثبت بوجود تسع ، [ ص: 105 ] حتى يستكمل العشر كلها في حياة سيده ، ولا يصح وإن صح تعليق الكتابة بالصفة ، لأن الكتابة من عقود المعاوضات التي لا يجوز تعليقها بالصفات . ولو تعليق التدبير بالصفة ؛ فدخلها بعد موته لم يعتق لزوال ملكه ، ولو قال لعبده : إذا دخلت الدار فأنت حر ، عتق ما لم يقتسم به الورثة ، وصار كالموصى بعتقه . قال : إذا دخلت الدار بعد موتي فأنت حر ،