فصل : حكي عن بعض الفقهاء أنه كره أن ، وزعم أن الله تعالى لم يذكر المطر في كتابه إلا للعذاب ، فقال تعالى : يقول المستسقي في دعائه اللهم أمطرنا وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين [ الشعراء : 173 ] . وهذا عندنا غير مكروه لرواية أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الاستسقاء ومد يديه بسطا : اللهم أمطرنا .
[ ص: 524 ] قال الشافعي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل : " أتدرون ما قال ربكم عز وجل ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : يقول : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، ومؤمن بالكواكب وكافر بي ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله عز وجل ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، ومن قال مطرنا بنوء كذا في دركم مؤمن بالكواكب وكافر بي .
قال الشافعي : معناه على ما كانت الجاهلية تعتقد أن النوء هو المطر فكانوا كفارا بذلك ، والنوء : هو النجم الذي يسقط في المغرب ويطلع مكانه في المشرق ، فعلى هذا إذا قال : العبد مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله تعالى ؛ لأنه لا يمطر ولا يفعل إلا بالله سبحانه ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا على ما كان أهل الشرك يعتقدونه من إضافة المطر إليه وأنه هو الماطر ، فهذا كافر ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت أو نجم ، وهو مخلوق لا يملك لنفسه ولا غيره شيئا من ضرر أو نفع ، فأما من قال مطرنا بنوء كذا يعني : أنا مطرنا في وقت نوء كذا ، فإن ذلك لا يكون كفرا ، كقوله مطرنا في شهر كذا ؛ لأن الله تعالى قد جعل العادة أن يمطر في هذه الأوقات ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أنشأت نجدية ثم استحالت شامية فذلك عين عذيقة يعني فيما أجراه الله تعالى من العادة .