فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن الذي يرونه مالا ولا نراه مالا ، ولهما إذا أسلما أو أحدهما ثلاثة أحوال : يعقداها بحرام كله كالخمر والخنزير
أحدها : أن يكون الإسلام بعد تقابض جميعه ، فالعتق به واقع ، ولا تراجع بينهما لنفوذه في الشرك المعفو عن عقودهم فيه .
والحال الثانية : أن يكون حدوث الإسلام مع بقاء جميعه ، فالكتابة به فاسدة ، وإن ترافعا فيها إلى الحاكم حكم بينهما بإبطالها ، فإن تأداها منه بعد إبطال الحكم لها لم يقع العتق ، وإن تأداها قبل حكم الحاكم بإبطالها وقع العتق فيها بالأداء لحصوله عن عقد فاسد غلب فيه حكم الصفة ، وكان للسيد أن يرجع على المكاتب بقيمته ، ولم يكن للمكاتب أن يرجع على سيده بقيمة ما قبضه من خنزير أو خمر ، لأنه لا قيمة له عندنا في حق مسلم ولا كافر ، ولو كان الخمر والخنزير باقيا أخذ بإراقته ، وقتل الخنزير ، ولم يؤخذ بردهما .
والحال الثالثة : أن يكون الإسلام بعد قبض بعضه وبقاء بعضه ، فالكتابة فاسدة ، والمقبوض لا يؤثر في مال الكتابة ، ولا يعتد في قسط القيمة .
فإن قيل : أفليس لو كان المقبوض معتدا بقسطه من مهر المثل فهلا كانت الكتابة بمثابته ؟ قيل : لأن الكتابة لا يتبعض حكمها ، ويقف أولها على أداء آخرها حتى لو أداها إلا درهما عجز عنه كان له استرقاقه به كما يسترقه بالعجز عن جميعه ، فلذلك لم يكن المقبوض في الشرك معتدا به من قسط الكتابة ، وخالف الصداق الذي يتبعض حكمه ، ولا يقف أوله على آخره ، فكان المقبوض فيه في الشرك معتدا بقسطه من المهر ، وإذا لم يعتد بالمقبوض منه في الشرك نظر ، فإن ترافعا إلى الحاكم حكم بينهما بفسخ الكتابة ، ولم يعتد فيها بأداء الباقي ، وإن لم يترافعا فللسيد أن يمتنع من قبض الباقي ، لأنه لا يجوز له بعد إسلامه أن يعاوض بخمر ولا خنزير ، فإن قبضه عتق به تغليبا لحكم الصفة ، ورجع عليه بجميع قيمته . أصدقها في الشرك خمرا ، وأسلما بعد تقابض بعضه
[ ص: 255 ]