الطرف الثاني : في الثواب ، قد سبق أن ، وإثباته ، ومطلقة ، ومضى الكلام في المقيدة ، وفرعناها على المذهب ، والذي قطع به الجمهور وهو صحتها . وقيل : إنها باطلة إذا أوجبنا الثواب في المطلقة ، لأنه شرط يخالف مقتضاها . الهبة مقيدة بنفي الثواب
[ ص: 385 ] وأما القسم الثاني : وهي المطلقة ، فينظر ، إن ، فلا ثواب ، وفي عكسه قولان . أظهرهما عند الجمهور : لا ثواب . والثاني : يجب الثواب ، فعلى هذا ، هل [ هو ] قدر قيمة الموهوب ، أم ما يرضى به الواهب ، أم ما يعد ثوابا لمثله في العادة ، أم يكفي ما يتمول ؟ فيه أربعة أوجه . وقيل : أقوال . أصحها : أولها ، والخيار في جنسه إلى المتهب . فعلى الأصح ، لو اختلف قدر القيمة ، فالاعتبار بقيمة يوم القبض على الأصح . وقيل : بيوم بذل الثواب . ثم إن لم يثب ما يصلح ثوابا ، فللواهب الرجوع إن كان الموهوب بحاله . وهب الأعلى للأدنى
قلت : قال أصحابنا : ولا يجبر المتهب على الثواب قطعا . والله أعلم .
فإن زاد زيادة منفصلة ، رجع فيه دونها . وإن زاد متصلة ، رجع فيه معها على الصحيح . وقيل : للمتهب إمساكه وبذل قيمته بلا زيادة . وإن كان تالفا ، فوجهان . وقيل : قولان منصوصان في القديم . أصحهما : يرجع بقيمته . والثاني : لا شيء له كالأب في هبة ولده . وإن كان ناقصا ، رجع فيه . وفي تغريمه المتهب أرش النقصان الوجهان . وقيل : له ترك العين والمطالبة بكمال القيمة .
قلت : وإن كانت جارية قد وطئها المتهب ، رجع الواهب فيها ، ولا مهر على المتهب ، لأنه وطئ ملكه . والله أعلم .
وأما إذا وهب لنظيره ، فالمذهب القطع بأن لا ثواب . وقيل : فيه القولان . وعن صاحب " التقريب " طرد القولين في هبة الأعلى للأدنى ، وهو شاذ .
قلت : وحكى صاحب " الإبانة " ، و " البيان " وجها أنه إذا ، [ ص: 386 ] استحقه ، وإلا ، فقولان . فإن اختلفا في النية ، فأيهما يقبل قوله ؟ وجهان . والمذهب : أنه لا يجب الثواب في جميع الصور . قال وهب لنظيره ونوى الثواب المتولي : إذا لم يجب فأعطاه المتهب ثوبا ، كان ذلك ابتداء هبة . حتى لو وهب لابنه فأعطاه الابن ثوابا ، لا ينقطع حق الرجوع ، ولا يجب في الصدقة ثواب بكل حال قطعا ، صرح به البغوي ، وغيره ، وهو ظاهر . وأما الهدية ، فالظاهر أنها كالهبة . والله أعلم .
وأما القسم الثالث : ، وهو إما معلوم ، وإما مجهول . فالحالة الأولى : المعلوم ، فيصح العقد على الأظهر ، ويبطل على قول . فإن صححنا ، فهو بيع على الصحيح . وقيل : هبة . فإن قلنا : هبة ، لم يثبت الخيار ، والشفعة ، ولم يلزم قبل القبض . وإن قلنا : بيع ، ثبتت هذه الأحكام . وهل تثبت عقب العقد ، أم عقب القبض ؟ قولان . أظهرهما : الأول . ولو فالمقيدة بالثواب وقلنا : الهبة تقتضي الثواب ، فنص في " حرملة " أنه إن أثابه قبل التفرق بجنسه ، اعتبرت المماثلة . وإن أثابه بعد التفرق بعرض ، صح ، وبالنقد لا يصح ، لأنه صرف ، وهذا تفريع على أنه بيع . وفي " التتمة " أنه لا بأس بشيء من ذلك ، لأنا لم نلحقه بالمعاوضات في اشتراط العلم بالعوض ، وكذا سائر الشروط ، وهذا تفريع على أنه هبة . وحكى الإمام الأول عن الأصحاب ، وأبدى الثاني احتمالا . وخرج على الوجهين ما إذا وهبه حليا بشرط الثواب ، أو مطلقا . فإن جعلنا العقد بيعا ، فلا رجوع ، وإلا ، فله الرجوع . وإذا وجد بالثواب عيبا ، وهو في الذمة ، طالب بسليم . وإن كان معينا ، رجع إلى عين الموهوب إن كان باقيا ، وإلا ، طالب ببدله . واستبعد الإمام مجيء الخلاف أنه بيع أم هبة هنا ، حتى لا يرجع على التقدير الثاني وإن طرده بعضهم . وإذا جعلناه هبة ، فكافأه بدون المشروط إلا أنه قريب ، ففي [ ص: 387 ] " شرح وهب الأب لابنه بثواب معلوم " وجهان في أنه هل يجبر على القبول لأن العادة فيه مسامحة ؟ قلت : والأصح أو الصحيح : لا يجبر . والله أعلم . ابن كج
الحالة الثانية : إذا كان ، فإن قلنا : الهبة لا تقتضي ثوابا ، بطل العقد ، لتعذر تصحيحه بيعا وهبة ، وإن قلنا : تقتضيه ، صح ، وهو تصريح بمقتضى العقد ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى الثواب مجهولا وجها : أنه يبطل بناء على أن العوض يلحقه بالبيع . الغزالي
فرع
نص - رضي الله عنه - أنه لو وهب لاثنين بشرط الثواب ، فأثابه أحدهما فقط ، لم يرجع في حصة المثيب ، وأنه لو أثاب أحدهما عن نفسه ، وعن صاحبه ورضي به الواهب ، لم يرجع الواهب على واحد منهما . ثم إن أثاب بغير إذن الشريك ، لم يرجع عليه . وإن أثاب بإذنه ، رجع بالنصف إن أثاب ما يعتاد ثوابا لمثله . فإن زاد ، فمتطوع بالزيادة . الشافعي
فرع
، رجع بما أثاب على الواهب . وإن خرج بعضه مستحقا ، فله الخيار بين أن يرجع على الواهب بقسطه من الثواب ، وبين أن يرد الباقي ويرجع بجميع الثواب . وقيل : تبطل الهبة في الكل . وقيل : لا يجيء قول الإبطال هنا . خرج الموهوب مستحقا بعد الثواب
[ ص: 388 ] فرع
، وقلنا : مطلق الهبة لا يقتضي ثوابا ، فهل المصدق الواهب ، أم المتهب ؟ وجهان ، وبالأول قطع قال : وهبتك ببدل ، فقال : بلا بدل . ابن كج
قلت : الثاني أصح . والله أعلم .