الطرف الثالث : في التساوي وبيان محل التفاضل . 
القسم المشروع للعدل ، فيحرم التفضيل وإن ترجحت إحداهما بشرف وغيره  ، فتجب التسوية بين المسلمة والكتابية ، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين . أحدهما : الحرية ، فللحرة ضعف ما للأمة ، فدورهما أثلاث . 
فلو طرأ عتق الأمة ، فإما أن يكون الابتداء بالحرة ، وإما بالأمة . 
الحالة الأولى : بالحرة . فإما أن تعتق في نوبة الحرة ، وإما في نوبتها . 
القسم الأول : في نوبة الحرة ، وهو ضربان . 
أحدهما : أن يعتق في القدر المشترك بين الحرة والأمة ، بأن عتقت في الليلة الأولى من ليلتي الحرة ، فيتم الليلة ويبيت الليلة الأخرى عند العتيقة ليسوي بينهما . 
الضرب الثاني : عتقت في الليلة الثانية ، فلا يلزمه الخروج ، بل له أن يبيت عند الحرة بقية الليل ، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتين . فلو خرج في الحال ، وكان بقية الليلة في مسجد أو بيت صديق ، لم يلزمه قضاء ما مضى من تلك الليلة . وإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة ، فقد أحسن .   [ ص: 353 ] القسم الثاني : تعتق في نوبة نفسها ، فإن عتقت قبل تمام ليلتها ، كمل لها ليلتين لالتحاقها بالحرة ، وحكى  الحناطي  وغيره وجها ، أنها لا تستحق إلا ليلة ، نظرا إلى الابتداء . وإن عتقت بعد تمام ليلتها ، لم تستحق إكمال ليلتين ، بل يقتصر في تلك النوبة على تلك الليلة ، ثم يسوي بينهما . 
وهل العتق في يومها التالي ليلتها كعتقها في ليلتها ؟ حكي عن إمام الحرمين فيه وجهان . أصحهما وهو الموافق لكلام الجمهور : المنع لأنه تابع . 
الحالة الثانية : بدأ بالأمة فعتقت في نوبتها ، صارت كالحرة فيسوي بينهما وإن عتقت بعد تمام نوبتها ، فوجهان . 
أحدهما : يبيت عند الحرة ليلتين ، ثم يسوي بعد ذلك ، وبهذا قطع الإمام ،  والمتولي  ،   والغزالي  ،  والسرخسي  ، ومنع  البغوي  تكميل الليلتين وقال : إن عتقت في الأولى من ليلتي الحرة ، أتمها واقتصر عليها ، وإن عتقت في الثانية ، خرج من عندها في الحال . وعلى نحو هذا جرى الشيخ  أبو حامد  وأصحابه وصاحب " المهذب " . 
فرع 
ذكر   ابن كج  والشيخ  أبو الفرج  وغيرهما ، أن الأمة إنما تستحق القسم إذا استحقت النفقة [ و ] في نص   الشافعي  رضي الله عنه إشارة إليه ، وقد بينا في " كتاب النكاح " متى تجب نفقتها . 
فرع 
إسقاط حق القسم بهبته للزوج ، أو لضرة الأمة  لا للسيد ؛ لأن معظم الحظ في القسم لها ، كما أن خيار العيب لها لا له . 
 [ ص: 354 ] فرع 
ذكر  المتولي  ، أنه إذا قسم للحرة ليلتين ، ثم سافر السيد بالأمة ، لم يسقط حقها من القسم ، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن ؛ لأن الفوات حصل بغير اختيارها فعذرت . 
السبب الثاني : تجدد النكاح ، وهو يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف ، وهي سبع ليال للبكر ، وثلاث للثيب ، للحديث الصحيح في ذلك ، ولتزول الحشمة بينهما ، وهذا التخصيص واجب على الزوج . 
وحكى  الحناطي  في وجوبه قولين . والمذهب الأول ، حتى قال  المتولي     : لو خرج بعض تلك الليالي بعذر ، أو أخرج ، قضى عند التمكن . وتجب الموالاة بين السبع والثلاث ؛ لأن الحشمة لا تزول بالمفرق . 
فلو فرق ، ففي الاحتساب به وجهان ذكرهما   أبو الفرج الزاز     . وظاهر كلام الجمهور المنع ، وذكر  الزاز  تفريعا عليه ، أنه يوفيها حقها متواليا ، ويقضي ما فرق للأخريات ، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطء شبهة . 
ولو حصلت بمرض أو وثبة ، فعلى الوجهين في استئذانها نطقا في النكاح . ولو كانت الجديدة أمة - ولا يتصور ذلك إلا في العبد ، فإن له نكاح أمة على حرة - فوجهان . 
أصحهما : أنها كالحرة في استحقاق السبع والثلاث ؛ لأن المراد زوال الحشمة ، والأمة كالحرة فيه . والثاني : لها نصف ما للحرة كالقسم . وعلى هذا في صفة التنصيف وجهان . 
أحدهما : تجبر الكسر ، فللبكر أربع ، وللثيب ليلتان . وأصحهما وبه قطع  البغوي     : للبكر ثلاث   [ ص: 355 ] ونصف ، وللثيب ليلة ونصف ، ثم الاعتبار بحال الزفاف . فلو نكحها وهي أمة ، وزفت إليه وهي حرة ، فلها حق الحرائر قطعا . 
وإن عتقت بعد الزفاف ، فلها حق الإماء . قال  البغوي     : ويحتمل أن يقال : لها حق الحرائر إذا عتقت في المدة . 
فرع 
إذا وفى حق الزفاف من الثلاث أو السبع  ، لم يقض للباقيات ، ويستحب أن يخير الثيب بين أن يقيم عندها ثلاثا بلا قضاء ، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضيهن للباقيات ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة  رضي الله عنها . فإن اختارت السبع فأجابها ، قضى السبع للباقيات . وإن أقام بغير اختيارها ، لم يقض إلا الأربع الزائدة ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب . 
وحكي في " المهذب " فيما إذا أقام سبعا ، وجهين في أنه يقضي السبع ، أو أربعا ، هكذا أطلقه . فإن أراد : إذا التمسته ، حصل وجه أنه لا قضاء على خلاف المذهب . 
وإن أراد : إذا لم تلتمسه ، أو كلتا الحالتين ، حصل وجه أنه يجب القضاء ، وإن لم يختر على خلاف المذهب . ولو التمست أربعا ، أو خمسا ، أو ستا ، لم يقض إلا ما زاد على الثلاث . ولو التمست البكر عشرا  ، لم يجبر إجابتها . فإن أجابها ، لم يقض إلا ما زاد على السبع . 
فرع 
لو وفى حق جديدة ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، فليس لها حق الزفاف ؛ لأنها باقية على النكاح الأول وقد وفى حقه . وإن أبانها ثم جدد نكاحها ، فقولان أو   [ ص: 356 ] وجهان . أظهرهما : تجدد الحق . ويجري الخلاف فيما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها .
أما لو أبانها قبل توفية حقها ثم نكحها ، فيلزمه التوفية بلا خلاف . ولو أقام عند البكر ثلاثا وافتضها ، ثم أبانها ثم نكحها ، فإن قلنا : يتجدد حق الزفاف ، بات عندها ثلاث ليال لأنه حق زفاف الثيب . وإن قلنا : لا يتجدد ، بات أربعا تتميما للزفاف الأول . 
فرع 
نكح جديدتين  ، وفى لهما حق الزفاف ، وكذا لو لم يكن في نكاحه غيرهما . ثم إن زفتا على الترتيب ، أدى حق الأولى أولا . وإن زفتا معا وهو مكروه ، أقرع بينهما للابتداء ، فإذا خرجت قرعة إحداهما ، قدم الجميع السبع أو الثلاث . 
وحكى   ابن كج  وجها أنه يقدمها بليلة ثم يبيت عند الأخرى ليلة ، وهكذا يفعل إلى تمام المدة . وحكى  البغوي  في " الفتاوى " وجها ، أنهما إذا كانتا بكرين أو ثيبين ، فليس لهما حق الزفاف إن لم يكن في نكاحه غيرهما . فإن أراد أن يبيت عندهما ، لزمه التسوية . وإن كانت إحداهما بكرا والأخرى ثيبا ، خص البكر بأربع ، ثم يسوي ، وهذا ضعيف . 
فرع 
في فتاوى  البغوي  ، أن حق الزفاف إنما يثبت إذا كان في نكاحه أخرى .   [ ص: 357 ] فإن لم تكن ، أو كانت وكان لا يبيت عندها ، لم يثبت حق الزفاف للجديدة ، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداء . 
فرع 
إذا كانت عنده نسوة فزفت إليه الجديدة بعدما سوى بينهن  ، فيوفيها حقها ، ثم يستأنف القسم بين الجميع . وإن كان عنده زوجتان فزفت الجديدة بعدما قسم لإحداهما ليلة ، وفى حق الزفاف ، ثم يقسم للقديمة الأخرى ليلة ، ويبيت عند الجديدة نصف ليلة ؛ لأنها تستحق ثلث القسم ، ثم يخرج بقية الليلة إلى مسجد ونحوه ، ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية . 
فرع 
ينبغي أن لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الجماعات ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، وإجابة الدعوات ، وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها . هذا في النهار ، وأما في الليل ، فقالوا : لا يخرج لأن هذه مندوبات ، والمقام عندها واجب . 
قالوا : وفي دوام القسم ، يجب أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات وأعمال البر ، بأن يخرج في ليلة الجميع ، أو لا يخرج أصلا . فلو خرج في ليلة بعضهن فقط ، فحرام . 
				
						
						
