فصل
يجوز أن يكون ، ويصح عقد الإجارة عليها . فلو خالعها على إرضاع ولده أو حضانته مدة معلومة ، جاز ، سواء كان الولد منها أو من غيرها ، ويشبه أن يكون الجمع بينهما واستتباع أحدهما إذا أفرد على ما سبق في الإجارة . عوض الخلع منفعة
وفي إبدال الصبي المعين وانفساخ العقد بموته خلاف سبق في الإجارة . [ ص: 400 ] والمذهب الانفساخ ، وهو المنصوص في " المختصر " وأكثر الكتب ورجحه الجمهور .
وامتناع الصبي من الارتضاع والتقام الثدي ، كالموت . فإن قلنا بالانفساخ ، فذلك فيما بقي من المدة ، ولا ينفسخ في الماضي على المذهب .
وقيل : قولان من تفريق الصفقة ، فإن انفسخ فيما مضى رجع عليها بمهر المثل على الأظهر .
وعلى القول الآخر ، بأجرة مثل الإرضاع تلك المدة ، وعلى الزوج لها أجرة الإرضاع في المدة الماضية . وإن لم تنفسخ في الماضي ، فعلى الأظهر يرجع بقسط المدة الباقية من مهر المثل إذا وزع مهر المثل على المدتين .
وعلى الثاني : يرجع بأجرة مثل ما بقي من المدة . وإن قلنا : لا ينفسخ العقد ، فإن أتى بصبي مثله لترضعه ، فذاك ، وإن لم تأت به مع الإمكان حتى مضت المدة ، فوجهان .
أحدهما : يبطل حقه ولا شيء عليها ، كما لو لم ينتفع المستأجر بعد قبضه العين ، تستقر عليه الأجرة .
والثاني : يلزمها قسط المدة الباقية من مهر المثل إذا وزع على المدتين ، كما إذا تلف المبيع في يد البائع ، يكون من ضمانه وإن تمكن المشتري من القبض ، وهذا أصح عند الشيخ أبي حامد . ومقتضى كلام البغوي ترجيح الأول .
قلت : الأصح الوجه الثاني . والله أعلم .
ولو لم يأت بصبي آخر لعجزه ، فقد قطع البغوي وغيره ، بأن الحكم فيه [ كما ] إذا حكمنا بالانفساخ ، والوجه أن يطرد فيه الخلاف ، ولا فرق بين العجز وعدمه كما سبق في " الإجارة " فيما لو تلف الثوب المعين للخياطة وقلنا : لا تنفسخ الإجارة ، فلم يأت المستأجر بثوب مثله حتى مضت مدة الإجارة ، فإن في استقرار الأجرة وجهين ، سواء امتنع من الإبدال لعجزه أو مع القدرة .
[ ص: 401 ] قلت : الصحيح ، ما جزم به البغوي وموافقوه . والله أعلم .
فرع
لو ، ترضعه منها سنتين ، وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه ، نظر ، إن بين النفقة كل يوم من الطعام والأدم كالزيت واللحم ، وكسوته كل فصل أو سنة ، وكان ذلك مما يجوز السلم فيه ، ووصفه بالأوصاف المشروطة في السلم ، ففي صحة الخلع بما سمى طريقان . أضاف إلى الإرضاع والحضانة نفقته مدة ، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين
أصحهما : القطع بالصحة ؛ لأن المقصود الكفالة ، وهذه الأمور تابعة .
والثاني : على قولين - لأنه جمع بين بيع وإجارة ، ولأنه سلم في أجناس - . أظهرهما : الصحة أيضا .
فإن أبطلناه ، فهل يرجع بمهر المثل أم ببدل الأشياء المذكورة ؟ قولان .
أظهرهما : الأول ، ومنهم من قطع به هنا ؛ لأنه لو رجع إلى بدل الأشياء لأثبتناها .
وإن صححنا ، فهو في الطعام والشراب ، فيخير بين أن يستوفيه بنفسه ويصرفه إلى الولد ، وبين أن يأمرها بالصرف إليه .
قال ابن الصباغ : ينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور ، فيما إذا أذن الحاكم للملتقط في الإنفاق على اللقيط من ماله ، بشرط الرجوع .
قلت : ليس هو مثله ، بل يجوز هذا قطعا والفرق ظاهر . والله أعلم .
[ ص: 402 ] ثم إن عاش الولد حتى استوفى المنفعة والعين ، فذاك ، فإن خرج زهيدا وفضل من المقدر شيء ، فهو للزوج ، وإن كان رغيبا واحتاج إلى زيادة ، فهي على الزوج .
وإن مات الولد ، فله حالان :
أحدهما : أن يموت قبل تمام مدة الإرضاع ، ففيه الخلاف السابق في انفساخ العقد ، وجواز الإبدال ، فإن حكمنا بالانفساخ ، ومنعنا الإبدال ، انفسخ فيما بقي من المدة ، وفي انفساخه فيما مضى وفي الطعام والكسوة خلاف تفريق الصفقة .
والأظهر عدم الانفساخ .
وإذا قلنا : لا ينفسخ ، استوفى الزوج الطعام والكسوة ، ويرجع بما انفسخ العقد فيه من المدة إلى أجرة المثل في قول ، وإلى حصته من مهر المثل على الأظهر ، وبيان الحصة بأن يقوم الطعام والأدم والكسوة ، وما مضى من المدة ، وما بقي ، ويعرف نسبة قيمة الباقي من المدة من الجميع ، فيجب من مهر المثل بتلك النسبة .
وإذا قلنا : يتعدى الانفساخ إلى المدة الماضية والنفقة ، رجع إلى مهر المثل على الأظهر ، وإلى بدل الجميع على الثاني ، وترجع الزوجة بأجرة ما مضى من مدة الإرضاع ، وقد يقع التقاص ، هذا هو المذهب .
وعن ، أن الواجب قسط ما سوى المدة الماضية من مهر المثل ، وتسقط حصتها وتجعل منفعتها مستوفاة . القاضي أبي الطيب
الحال الثاني : أن يموت بعد ارتضاعه المدة بكمالها ، فيبقى استحقاق النفقة والكسوة ، وهل يتعجل الاستحقاق أم يبقى منجما كما كان ؟ وجهان . أصحهما : الثاني .
ولو انقطع جنس بعض الأشياء المذكورة ، ففيه القولان السابقان في انقطاع المسلم فيه .
أحدهما : ينفسخ العقد . فعلى هذا ينفسخ في المنقطع ، ولا ينفسخ في الأعيان المقبوضة على الأظهر ، كما لو اشترى عبدين ، فقبض أحدهما وتلف الآخر [ ص: 403 ] ولا في الحضانة والإرضاع على المذهب ، لبعد ما بينهما ، فإن حكم بالانفساخ في الجميع غرم لها بدل ما استوفى من العين والمنفعة ، وله عليها مهر المثل على الأظهر .
وفي قول : بدل المسمى . وإن قلنا : لا ينفسخ إلا في المنقطع ، رجع إلى حصته من مهر المثل على الأظهر ، وإلى بدل المنقطع في قول .
والقول الثاني في الأصل وهو الأظهر ، أن انقطاع المسلم فيه لا يقتضي الانفساخ ، لكن يثبت له خيار الفسخ ، فله الفسخ في الجميع .
وهل له الفسخ في المنقطع وحده ؟ فيه الخلاف السابق فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا وأراد إفراده بالرد ، قال المتولي : وله الفسخ في الأعيان دون المنافع على المذهب لبعد ما بينهما جنسا وعقدا .
وإذا أفرد المنقطع بالرد وجوزناه ، ففيما يرجع به القولان .
هذا كله إذا كان المذكور مما يجوز السلم فيه ، ووصف بالصفات المشروطة في المسلم فيه ، فإن لم توصف ، أو كان مما لا يجوز السلم فيه كالثياب المخيطة ، والمحشوة ، والمطبوخ والمشوي من الطعام ، فالمسمى فاسد ، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف .