فصل
، قال قال لنسوته الأربع : أربعكن طوالق إلا فلانة ، أو إلا واحدة القاضي حسين والمتولي : لا يصح هذا الاستثناء ، ويطلقن جميعا ، لأن الأربع ليست صيغة عموم ، وإنما هي اسم خاص لعدد معلوم خاص ، فقوله : إلا فلانة ، رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها ، فهو كقوله : طالق طلاقا لا يقع . ومقتضى هذا التعليل ، أنه لا يصح الاستثناء من الأعداد في الأقراء ، ومعلوم أنه ليس كذلك . ومنهم من وجهه ، بأن الاستثناء في المعين غير معتاد ، وهذا يضعف بأن الإمام حكى عن القاضي ، أنه قال : أربعكن إلا فلانة طوالق ، صح الاستثناء ، وادعى أن هذا معهود دون ذلك ، وهذا كلام كما تراه . وقد حكينا في الإقرار أن الاستثناء صحيح من المعينات على الصحيح ، ويستوي في الوجهين الإقرار والطلاق .
فصل
، فهذا إقرار بالطلاق ، فإن كان كاذبا فهي زوجته في الباطن . فلو قال : أردت الإقرار بطلاق سابق وقد راجعتها ، صدق . وإن قال : أبنتها وجددت النكاح ، فعلى ما ذكرناه فيما إذا قال : أنت طالق في الشهر الماضي ، وفسر بذلك . قيل له على وجه الاستخبار : أطلقت امرأتك ، أو فارقتها ، أو زوجتك طالق ؟ فقال : نعم
ولو قيل له ذلك على وجه التماس الإنشاء ، فإن قال في الجواب : نعم ، طلقت ، ولا إشكال ، وإن اقتصر على قوله : نعم ، فهل هو صريح أم كناية ؟ قولان . قال [ ص: 180 ] ابن الصباغ وغيرهما : أظهرهما : أنه صريح ، وقطع به بعضهم ، وهو اختيار والروياني المزني ، وفي كلام بعضهم إطلاق الخلاف بلا فرق بين الالتماس والاستخبار والإنشاء . والصحيح التفصيل الذي ذكرناه .
ولو قيل له : طلقت زوجتك ، فقال : طلقت ، فقد قيل : هو كقوله : نعم . وقيل : ليس بصريح قطعا ، لأن ( نعم ) متعين للجواب ، وقوله : طلقت ، مستقل بنفسه ، فكأنه قال ابتداء : طلقت واقتصر عليه ، وقد سبق أنه لو اقتصر عليه فلا طلاق .
فرع
، فقد نص في " الإملاء " أنه لا يقع به طلاق وإن نوى ، لأنه كذب محض ، وبهذا قطع كثير من الأصحاب ، ولم يجعلوه إنشاء ، ولا بأس لو فرق بين كون السائل مستخبرا أو ملتمسا الإنشاء ، كما قد سبق في الفصل قبله ، لأنا ذكرنا في كنايات الطلاق ، أنه لو قال مبتدئا : لست بزوجة لي ، كان كناية على الأصح ، وذكروا وجهين ، في أنه صريح في الإقرار ، أم كناية ؟ قال قيل له : ألك زوجة ؟ فقال : لا القاضي حسين : هو صريح ، والأصح أنه كناية ، لاحتمال أنه يريد نفي فائدة الزوجات ، وبهذا قطع البغوي ، ولها تحليفه أنه لم يرد طلاقها . ولو قال قائل : هذه زوجتك مشيرا إليها ؟ فقال : لا ، فهذا أظهر في كونه إقرارا بالطلاق .
فرع
، لم يكن إقرارا بالطلاق ، لاحتمال التعليق ، أو الوعد بالطلاق ، أو خصومة تئول إليه ، ولو فسر بشيء من ذلك ، قبل . وإن كان السؤال عن ثلاث ، ففسر بواحدة قبل ، وإن لم يفسر بشيء ، قال قيل : أطلقت زوجتك ؟ فقال : قد كان بعض ذلك المتولي : إن كان السؤال عن ثلاث ، لزمه الطلاق ، وإن كان عن واحدة ، فلا ، لأنها لا تتبعض والأصل أن لا طلاق ، وفي كل واحد من الطرفين نظر .
[ ص: 181 ] قلت : الصواب أنه لا يقع شيء ، إلا أن يعرف به ، سواء سئل عن ثلاث أو مطلقا ، للاحتمالات المذكورة مع الأصل . - والله أعلم .
فصل
، أو اختلطت دراهمها بدراهمه ونحو ذلك ، فقال الأصحاب : تخلص من الحنث بأن يفرقها ، بحيث لا يلتقي منها نواتان ، فإن أراد التمييز الذي يحصل به التعيين ، لم يتخلص بذلك . وفي صورة الإطلاق ، احتمال للإمام ، ولو أكل الزوجان تمرا ، وخلطا النوى ، فقال : إن لم تميزي نوى ما أكلت عن نواي فأنت طالق ، فقال الإمام : في طريق البر ، وجهان . قال : إن لم تعدي الجوز الذي في هذا البيت اليوم فأنت طالق
أحدهما : تأخذ من عدد تستيقنه ، وتزيد واحدا حتى تستيقن أنه لا يزيد عليه ، كما لو قال : إن لم تخبريني بعدده ، والثاني : يلزم أن تبتدئ من الواحد ، وتزيد حتى تنتهي إلى الاستيقان ، قال الإمام : واكتفوا على الوجهين بذكر اللسان ، ولم يعتبروا تولي العد فعلا ، قال : ولست أرى الأمر كذلك .
فرع
، فتخلص من الحنث أن تأكل بعضها ، وتقذف بعضها ، هذا إذا وقع التعليق بالإمساك ، آخرا كما ذكرنا ، ثم اتصل أكل البعض بآخر التعليق ، فلو وجد مكث ، فقد حصل الإمساك ، ولو علق بالإمساك أولا ، وأكلت البعض بعد تمام الأيمان ، كان حانثا في يمين الإمساك ، ولو قال : إن أكلتها [ ص: 182 ] ، فأنت طالق ، وإن لم تأكليها في فمها تمرة ، فقال : إن ابتلعتها ، فأنت طالق ، وإن قذفتها ، فأنت طالق ، وإن أمسكتها ، فأنت طالق
[ فأنت طالق ] فلا خلاص بأكل البعض ، فإن فعلته ، حنث في يمين عدم الأكل ، ولو علق على الأكل ، فابتلعت ، لم يحنث على الأصح ، لأنه يقال : ابتلع ، ولم يأكل ، ذكره المتولي .
فرع
، فيحصل الخلاص بالطفرة إن أمكنتها ، وبأن تحمل فيصعد بها أو تنزل ، وينبغي أن يكون الحمل بغير أمرها ، وتتخلص أيضا بأن تضجع السلم على الأرض وهي عليه ، وتقوم من موضعها ، وبأن يكون بجنبه سلم آخر فينتقل إليه ، فإن مضى في نصب سلم آخر زمان ، حنث في يمين الوقوف . كانت تصعد سلما ، فقال : إن نزلت ، فأنت طالق ، وإن صعدت ، فأنت طالق ، وإن مكثت ، فأنت طالق
فرع
، لم يحنث ، لأنه وإن كان يقال في العرف : أكل رمانة ، فيقال أيضا : لم يأكل كل الرمانة ، ولو علق بأكل رغيف ، فأكلته إلا فتاتا ، قال قال : إن أكلت هذه الرمانة ، أو إن أكلت رمانة ، فأنت طالق ، فأكلتها إلا حبة القاضي حسين : لا يحنث كحبة الرمان . وقال الإمام : إن بقي قطعة تحس ، ويجعل لها موقع ، لم يحنث ، وربما ضبط ذلك بأن يسمى قطعة خبز ، وإن دق مدركه ، لم يظهر له أثر في بر ولا حنث ، قال : وهذا مقطوع به عندي في حكم العرف ، والوجه : تنزيل إطلاق القاضي على هذا التفصيل .
[ ص: 183 ] فرع
، أو إن لم تخبريني بعدد ما في هذا البيت من الجوز اليوم ، أو إن لم تذكري لي ذلك ، فأنت طالق ، قال الأصحاب : يتخلص بأن تبتدئ من عدد تستيقن أن الحبات أو الجوز لا تنقص عنه ، وتذكر الأعداد بعد متوالية بأن تقول : مائة ، مائة وواحد ، مائة واثنان ، وهكذا قال : إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة قبل كسرها ، فأنت طالق
[ إلى أن ] تنتهي إلى عدد تستيقن أنه لا يزيد عليه ، فتكون مخبرة عن ذلك العدد وذاكرة له ، وهذا إذا لم تقصد التعيين والتعريف ، وإلا فلا يحصل كما سبق .
وفي معنى هذه الصورة ، ما إذا . أكل تمرا ، وقال : إن لم تخبريني بعدد ما أكلت ، فأنت طالق
وما إذا ، فتقول : سرقت وما سرقت . اتهمها بسرقة ، وقال : إن لم تصدقيني أسرقت أم لا ، فأنت طالق
فرع
، ففي فتاوى وقع حجر من سطح ، فقال : إن لم تخبريني الساعة من رماه ، فأنت طالق القاضي حسين : أنها إن قالت : رماه مخلوق ، لم تطلق ، وإن قالت : رماه آدمي ، طلقت ؛ لجواز أن يكون رماه كلب أو الريح ، لأنه وجد سبب الحنث ، وشككنا في المانع ، وشبهه بما إذا قال : أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم ، فمضى اليوم ولم يعرف مشيئته ، فإنه يقع الطلاق على خلاف فيه سبق .
[ ص: 184 ] فرع
، لم تطلق واحدة منهن ، فالأول معروف ، والثاني يوم الجمعة ، والثالث في السفر ، قاله القاضي قال لثلاث نسوة : من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة المفروضة ، فهي طالق ، فقالت واحدة : سبع عشرة ، وقالت أخرى : خمس عشرة ، وثالثة : إحدى عشرة والمتولي .
فرع
قال : كل كلمة كلمتيني بها إن لم أقل مثلها ، فأنت طالق ، فقالت المرأة : أنت طالق ثلاثا ، فطريقه أن يقول : أنت تقولين : أنت طالق ثلاثا ، أو تقول : أنت طالق ثلاثا من وثاق ، أو أنت طالق إن شاء الله ، ولو قالت له : إذا قلت لك : طلقني ما تقول ؟ فقال : أقول : طلقتك ، لا يقع الطلاق ، لأنه إخبار عما يفعل في المستقبل .
فرع
، فخلاصها بأن تضع فيه خرقة فتبلها به . في يدها كوز ماء ، فقال : إن قلبت هذا الماء ، فأنت طالق ، وإن تركتيه ، فأنت طالق ، وإن شربتيه أنت أو غيرك ، فأنت طالق
فرع
. قال الأصحاب : لا تطلق خرجت أم مكثت ، لأن ذلك الماء فارقها [ ص: 185 ] بجريانه ، وفيه وفي نظائره احتمال للإمام بسبب العرف ، وإن كان الماء راكدا ، فالطريق أن يحملها إنسان في الحال . قال لها وهي في ماء جار : إن خرجت منه فأنت طالق ، وإن مكثت فيه فأنت طالق
فرع
لا بد من النظر في مثل هذه التعليقات إلى وضع اللسان ، وإلى ما يسبق إلى الفهم في العرف الغالب ، فإن تطابق العرف والوضع ، فذاك ، وإن اختلفا ، فكلام الأصحاب يميل إلى اعتبار الوضع ، والإمام يريان اتباع العرف ، وقد سبق في هذه الفروع أمثلة هذا . والغزالي