الباب الثاني في حكم الظهار
له حكمان .
أحدهما : ، فلو وطئ [ ص: 269 ] قبل التكفير ، عصى ، ويحرم عليه الوطء ثانيا ، سواء كفر بالإطعام وغيره . وفي تحريم تحريم الوطء إذا وجبت الكفارة إلى أن يكفر ، قولان ، ويقال : وجهان ، أظهرهما عند الجمهور : الجواز ، وهو منسوب إلى الجديد ، وحكى القبلة واللمس بشهوة ، وسائر الاستمتاعات طريقا قاطعا به ، وقال : وهو الأصح . وقول الله تعالى : ( ابن كج من قبل أن يتماسا ) محمول على الجماع كقوله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) .
فرع
عد الإمام الصور التي تحرم فيها القبلة وسائر الاستمتاعات مع الوطء ، والتي تختص بالتحريم بالوطء ، فقال : ما حرم الوطء لتأثيره في الملك ، كالطلاق الرجعي وغيره ، والردة أو لحلها لغيره كالأمة المزوجة ، أو حرمها لاستبراء الرحم عن غيره ، كزوجته المعتدة عن وطء شبهة في صلب النكاح ، وكالمستبرأة بملك اليمين بشراء ونحوه ، فكل هذا يحرم فيه الاستمتاعات كلها ، وما حرم الوطء بسبب الأذى ، لا يحرم الاستمتاع .
وأما العبادات المحرمة للوطء ، فالإحرام يحرم كل استمتاع تعبدا ، والصوم والاعتكاف يحرمان كل ما يخشى منه الإنزال لتأثرهما بالإنزال . وإذا قلنا في الظهار : لا تحرم القبلة واللمس ، ففيما بين السرة والركبة احتمالان ، لأنه يحوم حول الحمى ، هذا كلام الإمام ، وحكى البغوي وجها ، أنه يجوز الاستمتاع بزوجته المعتدة عن شبهة وغيره ويشبه أن يجيء في الاستمتاع بالمرهونة خلاف .
قلت : الوجه الجزم بجوازه في مرهونته ، وقد جزم به الرافعي في باب الاستبراء . قال الإمام : وإذا لم يحرم الاستمتاع ، فلا بأس بالتلذذ وإن أفضى إلى الإنزال ، وقول الإمام : الإحرام يحرم كل استمتاع ، الصواب ، حمله على المباشرة [ ص: 270 ] بشهوة ، فأما اللمس ونحوه بغير شهوة ، فليس بحرام كما سبق في الحج . والأمة الوثنية والمجوسية والمرتدة ، يحرم فيها كل استمتاع ، وكذا المشركة والمكاتبة ومن بعضها حر . - والله أعلم .
الحكم الثاني : ، والعود هو أن يمسكها في النكاح زمنا يمكنه مفارقتها فيه . وحكى الشيخ وجوب الكفارة بالعود عن القديم قولا : أن العود هو الوطء ، والمشهور الأول . واتفق الأصحاب على أن الكفارة تجب إذا ظاهر وعاد ، لكن هل سبب الوجوب العود فقط ، أم الظهار والعود معا ، أم الظهار فقط والعود شرط ؟ فيه أوجه . ولو أبو حاتم القزويني ، فلا عود ولا كفارة ، فلو كانت أمة فاشتراها متصلا بالظهار ، فليس بعائد على الأصح ، لأنه قطع النكاح . ولو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن ، كان عائدا على الأصح ، وبه قال مات أحد الزوجين عقيب الظهار ، أو فسخ أحدهما النكاح بسبب يقتضيه ، أو جن الزوج ، أو طلقها بائنا أو رجعيا ولم يراجع ابن الحداد ، ورجحه المتولي وغيره . قال الإمام : وهذا الخلاف إذا كان الشراء متيسرا ، فإن كان متعذرا ، فالاشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي .
فرع
، نص لاعنها عقب الظهار - رضي الله عنه - أنه ليس عائدا ، واختلفوا في النص على ثلاثة أوجه . أحدها : وبه قال الشافعي ابن الحداد : والمراد به ما إذا سبق القذف والمرافعة إلى الحاكم ، أو أتى بما قبل الخامسة من كلمات اللعان ، ثم ظاهر وعقبه بالكلمة الخامسة ، وإلا فعائد ، وأصحها ، وبه قال أبو إسحاق ، ، وابن أبي هريرة وابن الوكيل : يشترط سبق القذف والمرافعة ، ولا يشترط تقدم شيء من كلمات اللعان ، بل إذا وصلها بالظهار ، لم يكن عائدا . والثالث ، وبه قال ابن سلمة ، وحكي [ ص: 271 ] عن المزني في " الجامع الكبير " : لا يشترط سبق القذف أيضا ، فلو ظاهر وقذف متصلا ، واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان ، لم يكن عائدا وإن بقي أياما فيه ، وشبه ذلك بما لو قال عقب الظهار : أنت طالق على ألف درهم ، فلم تقبل ، فقال عقبه : أنت طالق بلا عوض ، لا يكون عائدا لاشتغاله بسبب الفراق .
فرع
، فوجهان ، قال قال : أنت كظهر أمي ، يا زانية أنت طالق ابن الحداد : هو عائد ، لأنه أمسكها حالة القذف . قال الشيخ أبو علي : هذا صحيح إن لم يلاعن بعده ، أو لاعن وشرطنا سبق القذف ، فإن لم نشرطه ، فليس بعائد . والثاني ، لا يكون عائدا ، ويكون قوله : يا زانية أنت طالق كقوله : يا زنيت أنت طالق في منع العود ، وتردد الإمام ، في أن ابن الحداد يسلم في هذه الصورة .
قلت : تردد الإمام ثم قال : والأصح التسليم . - والله أعلم .
فرع
لو . كان عائدا . ولو علق بدخوله الدار ، ثم ظاهر وبادر بالدخول عقب الظهار ، فلا عود . علق طلاقها عقب الظهار
فصل
إذا ، فلا خلاف أنه يعود الظهار وأحكامه . ولو طلقها بائنا أو رجعيا وتركها حتى بانت ، ثم نكحها ، ففي عود الظهار الخلاف في عود الحنث ، ويجري الخلاف فيما لو كانت رقيقة فاشتراها عقب الظهار ، ثم أعتقها أو باعها ، ثم نكحها . وهل عود النكاح بعد الانفساخ بالملك كعوده بعد البينونة بالثلاث ، أم كالبينونة بدون الثلاثة ؟ وجهان سبق نظيرهما . ولو ارتد عقب الظهار ، ثم أسلم في العدة ، عاد الظهار بلا خلاف ، ثم [ ص: 272 ] هل تكون الرجعة وتجديد النكاح والإسلام بمجردها عودا ، أم لا يكون إلا أن يمسكها بعد هذه الأمور زمنا يمكنه فيه الفرقة ؟ فيه طرق . ظاهر ثم طلقها رجعيا عقبه ، ثم راجعها
المذهب : أن الرجعة عود ، بخلاف التجديد والإسلام ، ويجري الخلاف فيما لو ظاهر من رجعية ثم راجعها ، ولا يكون عائدا قبل الرجعة بحال ، ولو ارتد أحدهما عقب الظهار قبل الدخول ، فلا عود ، وكذا لو كان بعد الدخول ، وأصر المرتد حتى انقضت العدة . ولو ظاهر كافر من كافرة ، فأسلما معا في الحال ، أو أسلم وهي كتابية ، فالنكاح دائم ، وهو عائد ، وإن أسلم وهي وثنية ، أو أسلمت وتخلف ، فإن كان قبل الدخول ، فلا عود لارتفاع النكاح ، وإن كان بعده ، فلا عود في الحال ، ولا إذا أصر ، فإن جدد النكاح بعد البينونة ، ففي عود الظهار خلاف عود الحنث . وإن أسلم المتخلف في العدة ، فإن كان هو ، فهل يكون نفس الإسلام عودا ، أم لا بد من الإمساك بعده ؟ فيه الخلاف السابق ، وإن كانت هي ، فنفس إسلامها ليس بعود في حقه ، وإنما يصير عائدا إذا أمسكها بعد علمه بإسلامها زمنا يمكنه مفارقتها .
فرع
لو ، قال الشيخ جن عقب الظهار ثم أفاق أبو علي : جعل بعضهم كون الإفاقة عودا على الخلاف في الرجعة ، وهذا غلط ظاهر .
قلت : نقل الإمام عن الأصحاب ، أنهم قالوا : لو جن عقب الظهار ، فليس بعائد ، لأنه لم يمسكها مختارا ، وقال صاحب " الحاوي " : لو تعقب الظهار جنون أو إغماء ، صار عائدا ، لأن الجنون لا يحرمها ، بخلاف الردة ، والقصد في العود ليس بشرط ، وهذا الذي قاله ، وإن كان قويا ، فالصحيح ما نقله الإمام . - والله أعلم .
فصل
سبق أن تعليق الظهار صحيح ، فلو ، [ ص: 273 ] نظر ، إن علق على فعل غيره ، فليس بعائد حتى يمسكها بعد علمه ، وإن علق على فعل نفسه ونسي ، فالمعروف في المذهب : أنه عائد ، ورأى علقه ووجد المعلق عليه وأمسكها جاهلا البغوي وغيره تخريج المسألة في الطرفين على حنث الناسي والجاهل ، وهذا أحسن ، وبه قال المتولي .
قلت : هذا الذي قال المتولي ، أنه إن علق بفعل نفسه ، ففي مصيره عائدا الخلاف في حنث الناسي ، وإن علق بفعل غيره ، لم يصر عائدا على المذهب . وقيل : يخرج على الناسي ، قال : والفرق أنه يشتبه عليه فعل غيره ، وقلما يشتبه عليه حال نفسه ، ثم إذا علق على فعل نفسه أو غيره وفعل ، صار عند علمه بالفعل ، كأنه الآن تلفظ بالظهار ، فإن أمسكها بعده ، فعائد ، وإلا فلا . - والله أعلم .